تحقيقاتٌ تُرهِبُ السلطانَ ولا تَرْهَبُهُ

تهافت سماسرة الأراضي والوطن

02‏/01‏/2013

قضية كسارة قرية كور: صورة مصغرة عن واقع بائس


المزارع فلاح سفارين وخلفه الكسارة التي تعمل على أرضه 

جريمة اقتصادية منظمة (واحدة من جرائم اصحاب الياقات البيضاء)

قرية كور- سعيد الغزالي

من يجرؤ على كشف المسكوت عنه؟
خلف هذه الجريمة جرائم أكبر
الوقائع تتحدث عن نفسها

أصدرت محكمة بداية طولكرم في الثاني من اكتوبر/ تشرين أول الماضي، قرارا يُلزم الشركة الشرقية للكسارات :"بالتوقف عن اقتلاع أشجار الزيتون وتغيير معالم الأرض" في القطعة رقم 33 التي يمتلكها الرجل التسعيني فلاح موسى سفاريني المكنى أبو غازي وصهره المهندس سميح حمايده.
هكذا ورد في سياق نص قرار المحكمة الذي اقتبست منه ثمانية كلمات. بقي القرار وحيثياته في أدراجها. لم يرد ذكره إلا في مقالة وصلت إلى بريدي الإلكتروني كتبها د. حسن سفاريني، وكانت بعنوان: "الزيتون لا يقتلعه الصهاينة فقط".
توجهت إلى موقع الكسارة. 
منذ ذلك التاريخ،أي منذ صدور قرار المحكمة، يتوجه المزارع سفاريني كل يوم إلى أرضه في "السحايل"في منطقة طولكرم شمال الضفة الغربية ليجد أن الجرافات والحفارات لم تتوقف عن أعمال الحفر والجرف في جزء من أرضه الذي تحول إلى محجر.
يأمل سفاريني أن يُحترم القانون ويُنفذ قرار المحكمة، لكن أمله يتآكل كل يوم يمر تعمل خلاله الكسارة بحفاراتها وجرافاتها وناقلاتها، فيعود إلى بيته في قرية سفارين المجاورة لبلدة بيت ليد ، برفقة صديق عمره محمد
أحمد راشد. ويدور الحديث بينهما عن كيفية وقف العمل في الكسارة، بعد أن أحجم الأمن الفلسطيني عن تنفيذ قرار المحكمة. 
قال راشد المُكنى بأبي مروان شارحا المحنة التي يعيشها سفاريني "إنه صديق عمري منذ عشرات السنين وأحس حجم وجعه الآن أكثر من أي وقت مضى، لأن الجرافات تجرف أغراس زيتونه". 
كان سفاريني يتجول في أرضه برفقة اثنين من أبنائه اللذين يساعدانه في أعمال الزراعة والعناية بالثروة الحيوانية التي يملكها، وعلى بعد عدة مئات من الامتار كان قطيع أبقار وعجول يرعى العشب في التلال والوادي، تحت أشراف أحفاده. 
منظر تألفه العين، وترتاح له النفس. 
لكنه، لم يكن متناغما مع  وجود محجر في بطن جبل مكسو بالشجر الأخضر يجلس فوق حوض مائي وتتصادح طيوره، وتهب أرياحه ونسائمه بانسجام في بيئة تبعث البهجة في النفس. الوجود المتوحش لكسارة تأكل بطن الجبل وتصنع فيه تجويفا بشعا، يُخرج المزارعين عن طورهم، ويجعلهم يلعنون أؤلئك الذين ينتهكون حرمة البيئة النظيفة وصحة الانسان والحيوان. 
"هذا  الجبل وهذا الوادي رئة المنطقة، وهو كذلك منذ مئات السنين ومن يلوثها يرتكب جريمة"، قال أبو مروان، 76 عاما. 
عاش المعمر سفاريني منذ أواخر العهد التركي، ولم يمس أي نظام سابق أرضه، حدث ذلك في زمن الانتداب البريطاني وجاء الحكم الاردني، وبقي سفاريني يعمل في أرضه كالمعتاد، وجرت محاولة من قبل رجال أعمال فلسطينيين وإسرائيليين لنقل كسارات منطقة راس العين داخل الخط الأخضر إلى هذه المنطقة  في أوساط التسعينات، لكن الرئيس ياسر عرفات أوقفها، والآن في زمن الرئيس محمود عباس الذي تمكن من الحصول على اعتراف اممي بدولة فلسطينية يجري المس بجوهر سيادة القانون. 
عندما تعب المعمر سفاريني من المشي، جلس على صخرة ينبت حولها ومن شقوقها نتش وأعشاب خضراء ونظر إلى أعلى الجبل، حيث تعمل المعدات والآليات التي تمثل قمة الجشع الذي يُخرج الإنسان من إنسانيته، وقال بصوت يغمره الأسى: "كل غرسة زيتون بيقطعوها، بيقطعوا قطعة من لحمي. كل شجرة أعز عليّ من ولدي".
أما الأبن د. حسن سفاريني، الخبير القانوني والمالي في الضرائب والاتفاقيات الدولية المالية والاقتصادية والضريبية والمستشار السابق لضريبة الدخل في وزارة المالية الفلسطينية فيحتفظ بملف مفصل عن الكسارة غير الشرعية، وقد اختاره نحو ألف مزارع في خمس قرى مجاورة لموقع الكسارة كممثل عنهم للدفاع عن البيئة والأراضي الزراعية المهددة. يقود د. سفاريني الآن حملة إعلامية، بعد أن واجهت جهوده من أجل تنفيذ قرار المحكمة إعراض الشرطة، ولا مبالاة المسئولين. 
"أنت تتحمل الضربة عندما تأتيك من العدو، ولا يمكنك أن تقبل الضربة التي توجهها لك عائلتك" قال سفاريني الإبن الذي كان يتحدث بسرعة، داعما كلامه بالأرقام والمعلومات. يعيش د. سفاريني قضية الكسارة لحظة بلحظة منذ بداية الاعتداء على الأرض. وقد انشغل عن مكتبه للمحاماة في عمان ليخوض المعركة القانونية والإعلامية ضد الكسارة. 
لم يكن المزارعون الألف وحدهم في ميدان معارضة وجود الكسارة ، انضم إلى المحتجين وزير الداخلية السابق الفريق الركن نصر يوسف الذي قال لنا بعبارة واضحة: "لا يجوز أن تبقى هذه الكسارة في مكانها. إنها  تضر بصحة الانسان والحيوان والنبات. أنا لا أعلم لماذا لم تنفذ الشرطة قرار المحكمة! ولا أعلم لماذا لم تحقق هيئة مكافحة الفساد في استمرار وجودها! ولا أعلم لماذا لم يأمر رئيس الوزراء سلام فياض وزارة الداخلية التابعة له بتنفيذ قرار المحكمة! ما يجري شيء مؤسف. ويجب أن يعالج الأمر بسرعة".
تبقى التساؤلات بلا إجابة. حاولنا أن نبحث عن إجابات لها. سألنا وزير الزراعة وليد عساف الذي قال لنا إنه عارض وجود الكسارة. أضاف:"أرسلنا فريقا فنيا من وزارة الزراعة إلى الموقع لدراسة المخاطر على البيئة والثروة الحيوانية والأراضي الزراعية، وتبين لنا حجم الأضرار الجسيمة التي لحقت بالأراضي الزراعية المجاورة والأشجار المثمرة في المنطقة نتيجة تطاير الغبار الكثيف في كافة الاتجاهات، ومخالفات جسيمة لشروط الترخيص إضافة إلى خلع أشجار الزيتون وتغيير طبيعة الأرض ومخالفة قرار المحكمة، فقررت وزارة الزراعة سحب موافقتها على الترخيص، وأوصينا بأن تقوم وزارة الاقتصاد  بإيقاف الكسارة عن العمل إلى حين قيام الشركة بتصحيح أوضاعها الفنية والقضائية". 
أضاف الوزير عساف: "لدى المزارعين المتضررين قرار محكمة، وقرار وزراة الزراعة، وعليهم أن يلجأوا للرئيس والطلب منه إيقاف العمل بالكسارة".
كانت الشركة المذكورة، أي الشركة الشرقية للكسارات، التي تمتلك جزءاً من قطعة الأرض رقم 34 قد أدخلت جرافات ومعدات في سبتمبر/ أيلول عام 2012 إلى قطعة الأرض رقم 33 المزروعة بأغراس الزيتون والمملوكة من قبل سفاريني وصهره حمايده، حيث بدأت الشركة باقتلاع الغرس الخاص بهما، فلجأ كل من  سفاريني وحمايدة إلى المحكمة للحصول على قرار مستعجل لوقف العمل في قطعة الأرض. 
أكد قرار المحكمة أن الشركة قامت باقتلاع عشرات الأشجار يوميا منذ دخول الجرافات إليها. وحددت المحكمة مساحة الأرض المعتدى عليها، وفق شهادة إخراج قيد المالية بـ 125 دونما، وذكرت أسماء مالكي الأراضي التي تحدها من الشرق والغرب والشمال والجنوب، وذكر قرار المحكمة أن كافة الأراضي المجاورة للكسارة مزروعة بأشجار الزيتون واللوزيات. 
أشارت المحكمة إلى ما قامت به الشركة من أعمال تجريف وتغيير معالم الأرض وتغيير وجه استعمالها وإتلاف الاشجار والمزروعات في قطعة أرض لا تمتلكها مستغلة تواجد المستدعي حمايدة في الخارج. 
نظرت المحكمة في طلب المستدعي، مستندة إلى بنود ومواد قانونية، ولاحظت قيام الشركة بخرقها، وقررت اتخاذ المقتضيات القانونية لتنفيذ قرارها ولو اقتضى ذلك استخدام القوة الشرطية. 
الأضرار
يلزم  القرار الصادر عن القاضي مأمون كلش أصحاب الكسارة بالتوقف فورا عن العمل فيها، ودفع تعويضات عن العطل والضرر للمزارعين. 
تواجدنا لساعتين في المكان، كانت الآليات خلالها تعمل في بطن الجبل الذي تغطي جوانبه أشجار الزيتون وتتناثر في سفوحه الخضراء قطعان الأبقار، بينما تنفث تلك الآليات الطاحنة للصخر غيوما من الغبار الأبيض المسمم للنبات والمسبب لأمراض الجهاز التنفسي للإنسان والذي أدى أيضا إلى نفوق عدد غير محدد من العجول، إضافة إلى الهدير الملوث للسمع، والتأثير على طبقات الصخر، وحدوث تلوث في الحوض المائي، حسب تقرير لجنة من الخبراء. 
رأينا أربع شاحنات تحمل لوحات إسرائيلية صفراء ملأى بالحصمة والنحاتة الناعمة تخرج من الموقع وتتجه إلى إسرائيل، ويحصي المزارعون المتواجدون في المنطقة خروج ثلاثين شاحنة على الأقل من الموقع يوميا، وجميعها تتجه إلى إسرائيل. 
تمتلك عائلة السفاريني ما يزيد على أربعمئة دونم تحتوي على آلاف الأشجار من الزيتون واللوزيات في الجبل والوادي الملاصق لقطعة الأرض المقام عليها الكسارة من الناحية الغربية والشمالية، بالإضافة إلى ملكيتها في قطعة الأرض 33 التي تم فيها تجريف وتغيير طبيعىة الأرض وخلع أشجار الزيتون خلافا لقرار المحكمة. كما تمتلك أربعة آبار مياه. كانت العائلة تنتج أكثر من ثمانية أطنان من زيت الزيتون، قبل إنشاء الكسارة، وانخفضت كميات الزيت إلى نحو 1.2 طن فقط وبعض الأحيان أقل من ذلك بكثير. ويؤثر الغبار على العجول ويمرضها وتخسر العائلة عشرة عجول كل عام تقريبا. بالإضافة إلى تدمير محصول اللوزيات وتلف وتيبس الأشجار اللوزية نتيجة الغبار الذي تراكم عليها خلال عمل الكسارة في تلك الفترة.
يتحدث المزارع سليمان جمعة 79 عاما عن خسارة مشابهة، فقد كانت أرضه المحاذية للجهة الشرقية والشمالية من الكسارة ومساحتها ثلاثمئة من الدونمات تنتج  ستة أطنان من زيت الزيتون وتناقصت الكميات إلى نحو طن. 
لم يستطع د. سفاريني أن يكبح جماح غضبه، بعد أن تصاعدت غيمة من الغبار الصادر عن آليات الكسارة وامتدت أذرعها إلى الأعلى وارتفعت وتباعدت إلى أن تلاشت في مساء شتائي، وقال د. سفاريني: "في الصيف، يتراكم الغبار على أوراق الشجر مكونا طبقة بيضاء". 
أضاف د. سفاريني: " بتاريخ 27-8-2012 في صباح يوم الاثنين توجه شقيقه يوسف الذي يعمل في زراعة الأرض برفقة ابنه القاصر أمين (13 عاما) إلى الأرض ففوجئ بقيام البواجر بجرف الأرض وخلع الشجر وحين طلب منهم التوقف قام أحد عمال الكسارة يزيد زيدون محمد داود من قرية كور بالاعتداء عليه وضربه. كما قام نهاد ابراهيم تكروري ابن شقيق يوسف التكروري (أبو ياسين) رئيس بلدية قلنسوة السابق - وكلاهما يحملان الجنسية الاسرائيلية- بالهجوم عليه وبيده مشرط وحال دون إتمام اعتدائه عامل آخر، وغادر المعتدون مكان الجريمة على الفور. وتم نقل يوسف إلى المستشفى وتقديم شكوى إلى الشرطة، التي قامت بإخلاء سبيل الفاعلين رغم تواجدهم في مركز شرطة بيت ليد كما رفضت الشرطة ضبط المشرط الذي كان بحوزة نهاد التكروري، ولم يتم توقيف أي منهما بسبب هذه الجريمة بحجة أن نهاد التكروري يحمل الجنسية الاسرائيلية ولا سلطة للأمن الفلسطيني عليه بالرغم من أنه يأتي كل يوم إلى الكسارة الواقعة في منطقة (ب) مرورا بقرية سفارين متحديا".
كما أفاد د. سفاريني ان يوسف التكروري رئيس بلدية قلنسوة السابق حضر إلى المحكمة اثناء شهادة السفاريني، وأخبره أنه قام بشراء الكسارة من عبد الباسط خير الله.
حاول د. سفاريني الدخول إلى موقع الكسارة، وقام أحد الحراس بمنعه، واشتبك مع الحارس في جدل انتهى بإعلان الحارس، وهو من قرية جيوس: "إن قام الامن الفلسطيني بإغلاق الكسارة سأعود إلى بيتي وأخسر راتبي الشهري". 
اتصلنا مع محامي السفاريني الأستاذ أحمد شرعب للاستفسار، فأجاب بوضوح أن الشركة الشرقية للكسارات التي تدير الكسارة المذكورة، طلبت منه عن طريق المحامي جواد بولص أن يعرض على السفاريني تعويضا عن أرضه، بل طلب منه المحامي بولص التدخل لدى د. حسن سفاريني ليسقط الدعوى ويتوقف عن الحملة القضائية مقابل 100 ألف دولار. وقال المحامي شرعب انه عندما عرض الأمر على د. سفاريني غضب غضبا شديدا ورد بقوله: "لو اعطيت مليون دولار مقابل كل ورقة زيتون لما قبلتها. إن عبرة من عبرات والدي أو نقطة عرق من جسمه النحيل لا يعادلها مال قارون".
ثم يضيف د. سفاريني: " ما يجري هنا، هو جريمة اقتصادية منظمة يرتكبها أصحاب الياقات البيضاء. هذه مجزرة بيئية وزراعية وصحية بكل ما تعنيه الكلمة. وكافة الوثائق والمراسلات وقرارات الوزارات محفوظة في ملف المحكمة في القضية رقم 115\2008 ولدى مكتب المحامي الأستاذ احمد شرعب".
وتذكر الوثائق المذكورة أسماء ومضامين قرارات متناقضة أصدرها عدد من المسئولين في وزارات الزراعة والبيئة والاقتصاد والحكم المحلي بشأن منح أو منع تراخيص عمل للشركة المذكورة. 
عرقلة تنفيذ القرار 
ومنذ صدور قرار محكمة بداية طولكرم الأخير، بدأ مسلسل عرقلته، فقد توجه عماد الزغل، ملازم في هيئة التنفيذ إلى موقع الكسارة برفقة وكيل الحكومة عايد عيشة، وقوة من الشرطة إلى موقع الكسارة في الخامس عشر من اكتوبر/ تشرين أول الماضي، فوجدوا حفارتين تعملان ومندوب الشركة حسن درويش وعددا من سائقي الحفارات "البواجر" وسائق جرافة وأبلغوهم بقرار المحكمة. 
ذكر الملازم الزغل في تقريره أن المتواجدين في الموقع وافقوا على تنفيذ قرار المحكمة، ووقعوا على استلامهم قرارها، حسب الأصول، ثم غادر الزغل وقوة الشرطة مكان الموقع. 
في اليوم التالي، اكتشف صاحب الأرض أن العمل لم يتوقف في المحجر، فتوجه بطلب إلى رئيس نيابة طولكرم يعلمه فيها بأن ثلاثة من سائقي البواجر وسائق جرافة لا يزالون يعملون، وأن صاحب الشركة لم يلتزم بتنفيذ أمر المحكمة، وطالب بأن تقوم النيابة بالإيعاز إلى الشرطة بضبط المعدات وسحبها من قطعة الأرض المذكورة. 
جرى اعتقال المخالفين من قبل الشرطة وتم الافراج عنهم ليلا، بعد اتصال هاتفي من مسؤول أمني كبير، واستمر العمل في الكسارة. امتنع المحامي أحمد شرعب الذي رافع في المحكمة دفاعا عن مالكي الأرض حمايدة وسفاريني عن ذكر اسم المسؤول الأمني. 
وقال:"هذه جريمة مستمرة وبشعة، لم تنفذ الشرطة قرارا صادرا عن المحكمة، هذه ليست المرة الأولى التي لا تنفذ فيها قرارات المحاكم، كيف يحدث ذلك؟ إن الأمن يرفض حتى تنفيذ قرارات محكمة العدل العليا. إنني أعمل في المحاكم منذ 42 عاما، ولم اجد وضعا مخزيا كالوضع الذي نحن فيه. قرار محكمة بداية طولكرم قرار عادي وواضح. هذه كسارة تضر البيئة والمزارعين. ولا يجوز ترخيصها، كيف رخصت؟ هناك خلل في الوزارات التي رخصتها". 
الطرف الآخر
ماذا يقول الطرف الآخر؟ 
سألت صاحب الشركة الشرقية للكسارات عبدالكريم تكروري: لماذا تستمر الشركة بأعمال التجريف برغم صدور قرار المحكمة؟
أجاب: إنني احترم القانون، وقد صدر قرار جديد من المحكمة يسمح لي بمزاولة العمل في الموقع.
سألته: هل يمكن أن ترسل لي نص القرار الجديد بالفاكس أو البريد الإلكتروني؟
أجاب: نص القرار بحوزة ابني سليم. 
اتصلت بـ سليم وسألته نفس السؤال.
أجاب: أريدك أن تحضر إلى مقر الكسارة، سأتوجه إلى القضاء ضدك إن كتبت أي شيء عنها.
قلت: إنني لا أكتب شيئا دون أن أسأل الطرف الآخر ولذلك توجهت إليك، وذكرت له إن أباه أخبرني أن قرارا قد صدر عن المحكمة يسمح للشركة بمزاولة العمل، ويلغي قرار المحكمة الأول، وأنني أرغب بنشرالقرارين معا. 
أجاب: ليس هناك قرار محكمة ولكن يجب أن تفهم ما بين السطور في قرارها السابق. يستحيل تنفيذ قرار المحكمة، لأنه لا حدود مفروزة بين قطعتي الأرض رقم 33 وقطعة الأرض رقم 34. 
وهذا يعني أن تقوم الشركة بتنفيذ القرار كما تفسره، ووفق هذا المنطق، يحق للشركة الشرقية  للكسارات أن تلتهم أرض المزارعين  سفاريني وحمايدة الملاصقة والشاملة لـ 10 دونمات خصصتا كمنتجع للإطفال وأصبحتا من أملاك مجلس قروي بيت ليد، ومركز أبحاث التنوع الحيوي والبيئة التابع لأحد المهتمين بالبيئة. لكن آليات الكسارة أوقفت العمل بهما. 
إثر رفض الأمن تنفيذ قرار المحكمة، سلم د. سفاريني ملف الكسارة كاملا إلى رئيس هيئة مكافحة الفساد، السيد رفيق النتشة متأملا أن تكشف الهيئة ما يدور خلف الكواليس، من جانبه وعد النتشة د. سفاريني بإجراء تحقيق شامل، ودعم د. حسن خريشة، نائب رئيس المجلس التشريعي، ووزير الداخلية السابق نصر يوسف الملف بشهاديتهما. ولا يزال المزارعون المتضررون ينتظرون "تحقيقا شاملا" تجريه هيئة مكافحة الفساد.  
بدأت حكاية الشركة الشرقية للكسارات في نهاية عام 2005، عندما فوجىء أهالي منطقة الكفريات وخاصة قرى سفارين وكور وبيت ليد بعمليات تجريف ومسح للمنطقة التي أقيمت عليها الكسارة. فزع المزارعون مما شاهدوه وتبين لهم أن شخصا يدعى عبدالباسط خير الله هو مفوض الشركة الشرقية للكسارات قد أقدم على شراء قطعة الأرض رقم 34، ونقل إليها معدات وخطوط انتاج لتحويل الموقع إلى محجر. 
يحمل رجل الأعمال خير الله،وهو من قرية كفر قاسم داخل إسرائيل، الجنسية الإسرائيلية. 
تذكر وثيقة أرسلتها المجالس المحلية والبلدية ومجلس الخدمات المشترك والمزارعون في منطقة الكفريات إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن شخصا يدعى عوني كلبونة، ويعمل صرافا في مدينة نابلس قام بشراء قطعة الأرض رقم 34 ومساحتها اربعة وثلاثين دونما من سقراط الجيوسي وآخرين من نفس العائلة، لصالح السيد خير الله. وتتضمن هذه الوثيقة اسمي محام ومحاسب، قد عملا على تنفيذ نفس الصفقة. 
اعترض أهالي المنطقة وكافة المجالس المحلية والبلدية وقدموا اعتراضاتهم إلى رئيس سلطة جودة البيئة د. يوسف أبو صفية ووزراء الاقتصاد والتخطيط والداخلية والحكم المحلي والزراعة والمجلس التشريعي وجهات أخرى ذات علاقة. 
ذهبت اعتراضاتهم أدراج الرياح عندما خاطب د. عزام طبيلة وكيل وزارة الزراعه في رسالة موجهة إلى وكيل وزارة الاقتصاد د. جواد الناجي يعلمه فيها  بالموافقة على استكمال إجراءات الترخيص للشركة الشرقية للكسارات. والكتاب مؤرخ بتاريخ 13/5/2006، حسب وثائق د. سفاريني.  
منح د. الناجي الترخيص للشركة، بعد نحو سبعة أشهر أي بتاريخ 22/1/2007على استلامه كتاب عدم الممانعة من قبل وكيل وزارة الزراعة. 
أعترض المزارعون والأهالي على الترخيص لدى د. محمد رمضان الأغا بتاريخ 7/3/2007 وكان وزيرا للزراعة في حينها. وسحب الوزير موافقة وزارة الزراعة بعد اسبوع من تسلمه كتاب الاعتراض. 
برغم سحب الترخيص لم يتوقف العمل في الكسارة.  توجه الأهالي بكتاب موقع من قبل المجالس المحلية والبلدية إلى الرئيس محمود عباس، يطالبونه بأن يتدخل شخصيا ويصدر قرارا رئاسيا بوقف العمل بالكسارة. وأرفق الكتاب بقرار وزير الزراعة. 
قام وزير الداخلية السابق نصر يوسف بتسليم الكتاب للرئيس. وقال الفريق الركن نصر أن الرئيس أقر إلغاء الترخيص وحوله إلى د. حكمت زيد، رئيس هيئة المحافظين في حينه من أجل التنفيذ. 
شكل زيد لجنة ممثلة عن وزارات الزراعة والحكم المحلي والبيئة والاقتصاد برئاسة شاكر جوده الوكيل المساعد لدى وزارة الزراعة. وزارت اللجنة الموقع وخرجت بقرارات متعارضة. اعترضت وزارتا الزراعة والحكم المحلي على ترخيص الكسارة. ووافقت وزارتا الاقتصاد والبيئة على منح  ترخيص للكسارة، أي أن اللجنة الوزارية انقسمت إلى فريقين متضادين. 
قام أصحاب الأراضي المتضررين باللجوء إلى ست خبراء يحملون شهادات دكتوراة في تخصصات الزراعة والبيئة والمياه والصحة والثروة الحيوانية، وطلبوا منهم تحديد الأضرار، أعد الخبراء دراسة مفصلة خلصوا فيها إلى أن الكسارة تسبب أضرارا فادحة في هذه المجالات. 

في ذلك الوقت، أي عام 2008، انتقلت ملكية الكسارة من عبد الباسط خير الله إلى عبد الكريم تكروري وهو رجل أعمال من طولكرم، وتوجه أصحاب الأراضي الزراعية الملاصقين لقطعة الأرض رقم34 الى القضاء وطالبوا بإزالة الضرر والذي لا يتحقق إلا بإزالة الكسارة من الموقع.  وقرر قاضي الأمور المستعجلة بتاريخ 5/8/2008 وقف الشركة الشرقية للكسارات عن العمل في أراضي قرية كور.

 بدأ صاحب الشركة الجديد العمل على إعادة مزاولة العمل في الكسارة، مستفيدا من قرارات أؤلئك الذين يسميهم د. سفاريني أصحاب الياقات البيضاء، وهم شبكة المتنفذين في العديد من الوزارات. ساعده في ذلك قرار وزير الزراعة السابق محمود الهباش الذي أفتى بصلاحية الأرض لإقامة الكسارة وعدم صلاحيتها للزراعة، في كتاب رفعه إلى رئيس الوزراء سلام فياض، وقام وكيل وزارة الصناعة د. ناجي بمنح الترخيص لإقامة كسارة ثابته على الأرض. صدر الترخيص بتاريخ 23/9/2008.

ناقشت محكمة بداية طولكرم اعتراض المزارعين وصدر قرار عن قاضي الأمور المستعجلة في الثاني من نوفمبر/ تشرين ثاني/ 2009، بموجبه استأنفت الكسارة عملها، أي بعد  14 شهرا على توقفها. 

جدد المزارعون المتضررون دعواهم واستأنفوا ضد قرار المحكمة، مطالبين بإيقاف عمل الكسارة، ومن أجل وضع حد لهذه الجولات القضائية، قرر رئيس مجلس التنظيم الأعلى د. خالد القواسمة، حسم الموقف ، ووضع في شهر اكتوبر/ تشرين أول، عام 2010، مخططا لتغيير صفة الاستعمال للأرض من صفة استعمال زراعي إلى صناعي لتسهيل الأمور على أصحاب الكسارة ووقف احتجاجات المزارعين. 

أعترض أكثر من 140 مزارعا على تغيير صفة الاستعمال للأرض التي تحرمهم الاحتجاج على وجود الكسارة في الأرض الزراعية، خلال فترة الاعتراض الرسمية ومدتها شهر. ولم تؤخذ اعتراضاتهم بالحسبان، وفي شهر أيار، 2011، أصدر وزير الحكم المحلي ورئيس مجلس التنظيم الأعلى قرارا بتغير صفة الاستعمال من زراعي إلى صناعي، رغم أن القضية لا زالت قيد النظر في المحكمة، وقبل البت في اعتراضاتهم وهو أمر لا يمكن تصوره في أي تشريع أو قانون. 

بعد جلسات المداولات حول قطعة الأرض رقم 33 تمكن المزارع سفاريني وصهره حمايده في اكتوبر/ تشرين أول من الحصول على قرار قضائي  آخر صادر باسم الشعب الفلسطيني وملزم لـصاحب الشركة عبدالكريم حسن ياسين تكروري بالتوقف عن أعمال الجرف واقتلاع الاشجار وإجراء أية تغييرات في قطعة الارض المذكورة إلى حين البث في الدعوى الأصلية". 

يتساءل المزارعون ومنهم المزارع فلاح السفاريني وسليمان جمعه ومحمد أحمد راشد: لماذا هذا الاصرار العجيب من قبل الوزارات والامن والمسئولين على رفض قرار المحكمة؟ ولماذا لا يتدخل الرئيس لايقاف هذه الجريمة؟

وكما لم ينفذ قرار المحكمة بشأن القطعة رقم 33، لم يبت بعد في الدعوى الأصلية، التي بموجبها يطالب المزارعون المتضررون أن تتوقف الكسارة بجزئيها عن العمل. ولكن وجود محركات الفساد غير المرئية، ومراكز القوى وأصحاب المصالح والنفوذ في الوزارات والأمن والقضاء قد يجعل تطبيق القانون وهما في أخيلة الحالمين. 
وهنا يتساءل البرفيسور عبدالستار قاسم، استاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح وأحد المهتمين بموضوع الكسارة، وهو من مدينة طولكرم: كيف يمكن لشخص يحمل جنسية إسرائيلية أن يحصل على ترخيص لشركة تعمل في الضفة الغربية ثم تمتلك هذه الشركة أرضا؟ هذا أمر يثير تساؤلات كثيرة. أهمها أن لهذا الشخص شركاء يهود يعملون مع جواسيس عرب. من حقنا أن نتساءل". 
ويلخص قاسم قضية الكسارة التي تتداول ملفاتها المحاكم والوزارات والأجهزة الأمنية والمجالس التنظيمية وتتخذ بشأنها القرارات المتضاربة وتصاغ حول أوضاعها التقارير المتناقضة الصادرة عن اللجان الفنية، بقوله: "يتجلي غياب سيادة القانون واضحا في هذه القضية".
سجلت الشركة الشرقية للكسارات في بلدة سلفيت، ثم سُمح لها بإنشاء محطة تشغيل على أراضي قرية كور في منطقة طولكرم. للشركة طموحات للتوسع، كما قال صاحبها الحالي الذي عرف نفسه بأنه رجل أعمال معروف في مدينة طولكرم واشتغل في تجارة الاسمنت والحديد وله شركاء أقارب، ولا صلة له حاليا بمالك الشركة السابق، واتهم من يشنون حملة ضده لأنه أقام كسارة على "أرض جرداء" بأنهم أشخاص حاقدون. 
تظهر خرائط جوية اطلعت عليها دوائر حمراء حول أراض ومساحات واسعة ابتاعتها الشركة في نفس المنطقة الاستراتيجية، والخرائط مختومة بكلمة موارد، وكتب تحتها بخط صغير اسم "شركة موارد للحجر والرخام". 
مكثفا سبعة أعوام من المعارك السرية خلف الكواليس، بعيدا عن ديوان الرقابة الحكومي المدجن والإعلام الرسمي المهادن، وجمعيات ما يسمى "المجتمع المدني" المتبطل، قال قاسم: "إن السلطة ملوثة في قضية الكسارة. هناك وزير يمنح الترخيص للشركة وآخر يمنعه عنها. والشرطة ترفض تنفيذ قرار المحكمة الأخير. والعمل لا يزال مستمرا في موقع الكسارة حتى هذه اللحظة". 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق