تحقيقاتٌ تُرهِبُ السلطانَ ولا تَرْهَبُهُ

تهافت سماسرة الأراضي والوطن

10‏/09‏/2012

الجاريتان


حدثت أو وقعت أو نُقلت أو رُويت أو أسندت أو عُنعنت أو اشتهرت أحداث حكاية الجاريتين على مدار أربعة عقود ونصف العقد. كتب الحكاية مؤلف مغمور ونشر حلقاتها في مدونة غير مشتهرة في زمن اجمع فقهاء التنوير أو الدين على تسميته بزمن السقوط  أو الهزيمة،  وقالوا إنهم سمعوا قعقعاته أو قعقعاتها في طول الوطن العربي وعرضه، وفي المنطقة المشتهرة بالأراضي المحتلة منذ عام  1967 وإلى يومنا هذا.

خالفهم بعض خبراء السياسة في تحديد زمن الهزيمة وتداعياتها ، معتبرين أن هزيمة عام الـ 67 المسماة بالنكسة قد عفا عليها الزمن ونسيها الناس والحكومات، فقصروا فترة السقوط والهزيمة، قافزين أو متجاهلين
سقوط الرئيس المصري أنور السادات في الثلث الأخير من عقد السبعينات من القرن الماضي. كأن سقوطه لم يكن من تداعيات الهزيمة المشتهرة بالنكسة.

جعل هؤلاء السقوط ابتداء من عام1993 عندما سقطت القيادة الفلسطينية في وحل اتفاق أوسلو، وامتد زمن السقوط حسب رأي المتفائلين إلى نهاية عام 2010، أي في السابع عشر من شهر ديسمبر عندما اندلعت شرارة الربيع العربي في تونس، وامتدت إلى مصر والبحرين واليمن وسوريا والاردن وغيرها. ولم تتفتح إلى هذه اللحظة أزهار هذا الربيع العربي ، على أي حال، يدور الخلاف على عقدين ونصف العقد، وهي فترة بسيطة مقارنة بأقوال غلاة المفكرين المتأثرين بأفكار التنوير الأوروبية الذين يؤكدون أن زمن السقوط والهزيمة بدأ منذ هزيمة العقل العربي واندحاره أمام النقل ودخوله إلى سجونه المتعددة، أي قبل ألف عام.

في ذلك الزمن، مهما طالت أو قصرت مدته، كان أحدهم، وهو حاكم من نسل إبليس يمتلك جاريتين، كن ملك يمينه، اشتراهن من سوق النخاسة، وهو سوق كبير يستعبد فيه الرأسماليون غالبية سكان المعمورة، بطرق غير مباشرة، بعد تحريم الرق وبيع وشراء الانسان. نعود إلى الجاريتين خشية الشطط: الأولى مطيعة وبيضاء والثانية مشاكسة وسوداء. كن يعشن في غرفتين منفصلتين ومظلمتين داخل قصر الحاكم. ولم يسمح لهن بالخروج من القصر إلا بإذنه. وكن ينفقن معظم وقتهن في البحث عن هرة سوداء غير موجودة أصلا داخل الغرفتين. ورغم علمه ويقينه بأنه لا توجد هرة سوداء، بيد أنه كان يستخدم ذلك ذريعة لمعاقبتهن على فشلهن في الإمساك بالهرتين أو إحداهن.

كان يعدهن أي الجاريتين بأن من تجد الهرة السوداء وتمسكها وتحضرها إليه، سيعقد فورا قرانه عليها، وتصبح سيدة القصر الشرعية. تركهن يقمن بتنفيذ مهمتهن المستحيلة، وانشغل بأمور أخرى.

الغريب أن الجاريتين زعمن أنهن سمعن مواء الهرتين، وتحدثن عن معارك كر وفر في زوايا الغرفتين المظلمتين، ودفع بهن التمادي في الإدعاء أو الوهم إلى الزعم بأن قوى جنية خفية تتسلل إلى الغرفتين وتُفشل مساعيهن في الإمساك بالهرتين.

مرت الأيام وكرت السنون، فاستحوذت فكرة البحث عن القطط السوداء في الغرف المظلمة على ألباب الجاريتين، بل انتقلت الفكرة إلى نساء أخريات ورجال آخرين، وانشغل الناس جموعا جموعا في البحث، لجأت الجاريتان إلى السحر والتنجيم لطرد الشياطين من مكان سكناهن، وكذلك فعل معظم الناس، ولم تنفع كتابة الحجب، ولا البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) ولا الحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله) ولا القلقلة (اضطراب الصوت في علم التجويد) ولا العنعنه(السند في علم الحديث) ولا قراءة سورة الزلزلة في الإمساك بأي هرة.

كان مالك الجاريتين، انطلاقا من موقعه الطبقي، يحقد على جنس الجواري ويحكم جواريه بالجبر والحكم العضوض، لكنه كان بحاجة إلى خدماتهن وعملهن وأجسادهن فلم يتورع من استغلالهن من أجل مصلحته وراحته ونزواته،  فكان يضرب الأولى بحذاء ويهينها ويعذب الثانية بسوط ويُشقيها، وكن يتنازعن كل صباح وكل مساء، ويتبادلن الملامة في شقائهن، البيضاء تتهم السوداء بأنها سوداء والسوداء تتهم البيضاء بأنها بيضاء، والبيضاء لا يمكن أن تتحول إلى سوداء وكذلك السوداء إلى بيضاء، كن يتساءلن : أيهما أقل إيذاءً وأخف ضررا السوط أم الحذاء؟ الإهانة أم الشقاء؟ تزعم البيضاء أن الحذاء أهون الشرين وتدعي السوداء أن السوط أخف الضررين.

واستمر الحال على هذا المنوال إلى يومنا هذا. يقول مفكروا التنوير أن الحال سيبقى كما كان قبل ألف عام، حتى يدخل النور إلى الغرف المظلمة، وسيرى الناس أنه لا وجود للقطط السوداء في الغرف المظلمة. في ذلك الزمن الآتي، يمكننا التحدث عن أنوار الربيع العربي، وأزهاره المتفتحة.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق