تحقيقاتٌ تُرهِبُ السلطانَ ولا تَرْهَبُهُ

تهافت سماسرة الأراضي والوطن

14‏/09‏/2012

أبو مازن" وكتاب الخالدون المئة

(أول دراسة من نوع آخر ينشرها مدونة "المحقق الفلسطيني" على حلقات لتحديد مرتبة محمود عباس "أبو مازن" كعبقري بين العظماء الخالدين في التاريخ)
أكاد أجن. إنني أتساءل: كيف يحدث هذا؟ كيف يتمكن شخص، بمفرده، أن يحقق كل هذه "الإنجازات". لا بد أن يكون عبقريا، ولا بد أن يسجل اسمه في كتاب "الخالدون". 
الخالدون في التاريخ
المركز الأول: النبي محمد عليه الصلاة والسلام
الثاني: الفيلسوف وعالم الفيزياء اسحق نيوتن 
الثالث: السيد المسيح عليه السلام
النتيجه:  طرد الرئيس محمود عباس  "أبو مازن" من المراكز الثلاثة. والمقالة تشرح أسباب ذلك
 
سعيد الغزالي
وضع مايكل هارت ، العالم الفيزيائي الفلكي مؤلف كتاب "الخالدون مئة" The 100: A Ranking of the Most Influential Persons in History
، أسسا وشروطا محددة اتبعها لتحديد أسماء مئة شخص رتبهم حسب اعتقاده بأهميتهم، ومن تلك الأسس والشروط: أن تكون الشخصية حقيقية وعاشت فعلا في التاريخ، وأن تكون غير مجهولة، فهناك شخصيات عبقرية، تركت تأثيرا هائلا على البشرية ، مثل أول من اخترع الكتابة لكنه بقي مجهولا، وشرطه الثاني أن يكون الشخص عميق الأثر على البشرية- سواء كان الأثر طيبا أو خبيثا- والثالث أن يكون له تأثير عالمي وليس إقليمي فقط. والرابع أن لا يكون ممن لا يزالون على قيد الحياة. 
إنني أتبع نفس الأسس والشروط وأسير على صراطها إلا الشرط الرابع، وهو اختياره للعظماء الذين توفاهم الله.  
اخترت السيد محمود عباس "أبومازن" لأضعه على نفس مقياس مايكل هارت، فليس من المعقول أن أنتظر حتى يتوفاه الله، لفحص مكانته، ربما أتوفى قبله، وتضيع الفكرة، فلا يدخل "أبو مازن" إلى قائمة العظماء، خصوصا عندما نعلم أنه ألف 11 مجلدا عن القضية الفلسطينية، ويكتب يومياتها في اربعين مجلدا، وأنجز العديد منها. ألف في السبعينات كتاب "الصهيونية بداية ونهاية"، وفي الثمانينات كتاب "العلاقة السرية بين النازية والصهيونية"، وفي التسعينات كتاب "قنوات سرية: الطريق إلى أوسلو". 
كان يملك ولا يزال معاول فكره وكتبه ومناصبه الرفيعة وكان لديه ياسر عرفات. واستخدم كل هذه الأدوات وطوعها من أجل تحقيق غاية محددة، وهي ترويض الشعب الفلسطيني، وهذا يدل على عبقريتته.  
 اخترته لعدة أسباب: أولها وأهمها، انه رئيس دولة فلسطين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس حركة فتح، وبجمعه هذه المناصب الكبرى في يدين اثنتين، دلالة على عبقربته، فهو غير مسبوق في التاريخ الإنساني، فكأنه يمتلك يدا سحرية ثالثة لا ترى بالعين المجردة ونتائجها تظهر في الفواجع. أخترته لأنه يمثل أهم واعظم قضية، وهي القضية الفلسطينية، التي اكتسبت شهرة عالمية لا نظير لها، والمعنى أن العالم يوليها اهتمامه، سواء كان الاهتمام طيبا أم خبيثا. السبب الثاني: أردت أن أبرز جوانب معروفة أو مستورة من هذه القضية من منظور شخصيته، والسبب الثالث والأخير، هو رغبتي كشف ميزاتها التي قادت إلى نجاحه في تصفية مؤسسات منظمة التحرير، مؤسسة بعد أخرى. يفعل ذلك والفلسطينيون صامتون لا يهشون ولا ينشون.
 إنه رجل "عبقري"  يسبح ضد التيارالفلسطيني العام في أفكاره ومعتقداته ونهجه السياسي. 
الأمر لا يخلو طبعا من مرح ومزح ودعابة وسخرية. فهناك رجال عظماء يبنون شعوبا وأمما وهناك عظماء يهدمونها.  اللهم أنزل كلماتي بردا وسلاما على السيد محمود عباس "أبومازن".
قد يسألني ساءل: لماذا لم تختر شخصية غسان كنفاني، الشخصية العبقرية الفذة التي لم تنل ما تستحق من التكريم والتقدير، برغم إنجازاتها العظيمة في فترة زمنية قصيرة في الرواية والنقد، قبل اغتياله في يوليو عام 1972؟ ولماذا لم تختر شخصية رسام الكاريكاتير الشهير ناجي العلي، صاحب الـ 40 ألف رسم كاريكاتيري لاذع ، الذي اغتيل في لندن في آب  اغسطس 1987، وهو مثل كنفاني شخصية لها احترامها وأهميتها وإنجازاتها؟ لماذا لم تختر غيرهم من الفلسطينيين المبدعين، مثل الشاعرعبد الكريم الكرمي "أبوسلمى" من جيل الشعراء الرواد المتوفى عام 1980، الشاعر الانسان الذي نظم الشعر لـفردوسه المفقود فلسطين؟
أقول بأن كل هؤلاء، برغم قدراتهم العبقرية لم يتمكنوا من النفاذ إلى العالمية، بالهدم، بل بالتعبير عن هموم شعبهم وآلامه، ولأن العالم يقف على رأسه لم يُدخلهم إلى محراب العالمية. المبدع العبقري يجب أن يكون ملتصقا بهموم شعبه، فإن لم يكن كذلك، فإبداعه مأجور، السيد محمود عباس "أبومازن" لا يملك الملكات المبدعة الملتصقة بهموم شعبها كما لدى هؤلاء العباقرة الثلاثة، ولكن أصبح اسما عالميا، من وجهة نظر العالم الذي يرى الأمور بالشقلوب. 
يحق لي أن أختاره كشخصية مرشحة للدخول إلى محراب العظماء العباقرة في كتاب مايكل هارت وذلك لأنه ليس شخصية اسطورية كالشاعر هوميروس لا أحد يشك أن السيد محمود عباس "أبومازن" هو شخصية حقيقية وليست اسطورية ويعيش بين ظهرانينا وقد ولد في مدينة صفد عام ، 1935، وتقلب في المناصب الرفيعة التي لا أريد أن أذكرها إلى أن وصل به المطاف إلى أن يرأس في التاسع من شهر كانون الثاني  ما يسمى بـ "دولة فلسطين المحتلة". بصفته القيادية هذه، أي أنه "وجه البكسة" لشعب يزيد عدد سكانه عن 11 مليون إنسان، حاولت أن اطبق نفس معايير العظمة التي طبقها العالم الأمريكي مايكل هارت، على شخصية "أبو مازن". 
أعلم أن هناك ألف معترض، وربما مليون وأكثر، يقول المعادون أن الشعب الفلسطيني "لا في العير ولا في النفير"( أي لا في القافلة ولا في أؤلئك الذين ينفرون إلى القتال، وهو مثل يضرب للرجل المحتقر الذي لا يصلح لشيء لقلة نفعه). وأعني أن الشعب الفلسطيني، لظروف الاحتلال والانقسام والتشتت وخيانة الأشقاء، لم يستطع على الصعيد الجماعي تحقيق انجازات علمية وثقافية وفكرية.  أقول للمعترضين أنه للسبب ذاته أردت أن أفحص "عظمة" "أبو مازن" . 
يفاجئنا هارت الأمريكي الجنسية، اليهودي الديانه بأنه اختار المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام كأعظم شخصية في التاريخ، فوضعه في المرتبة الأولى في مقياسه، وفسر اختياره لكون رسول الأسلام قد نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي. وتطبيقا لهذه القاعدة، وهي النجاح على المستويين المذكورين، لا يمكن أن نختار أبا مازن ليحتل المكانة الأولى بين العظماء، لأنه لم يأتينا بدين جديد، كما فعل المصطفى الذي لا يزال أثر دينه مستمرا منذ القرن السابع الميلادي إلى هذه الساعة، ولم يكن "أبو مازن" مؤثرا في إبراز علوم الدين الإسلامي، مثل حجة الاسلام الغزالي، أو إبراز الفرادة في الفكر والفلسفة مثل الفيلسوف، ابن رشد.
 يقول بعض المغرضين أن السيد"أبو مازن" يؤمن بدين البهائيين، وهو ينكر ذلك بشده، أي يخفي دينه وإيمانه، وهذا نفاق، إن صح ما زُعم، إذ لا يُقبل من شخص عظيم أن يمارس التقية في دينه، وأما إنجازاته الدنيوية فنحاسبه عليها في حلقات هذه الدراسة، ونختار له خانة أخرى بين العظماء، وقد يوافقنا الكاتب هارت على اختيارنا، وقد لا يوافقنا، فإن أخطأنا، فلنا أجرنا ونُثاب على المحاولة،  وإن أصبنا، نثاب مرتين. 
للسبب المذكور أعلاه، وهو غياب أي انجاز أو نجاح للسيد الرئيس على المستوى الديني، نجد أنه قد خسر بسرعة المرتبة الأولى، وفق مقياس السيد هارت، وهو مقياس موضوعي، لشخص يتمتع بالموضوعية.
يبدو للوهلة الأولى أن أبا مازن تعادل مع العالم الفيزيائي والفيلسوف اسحق نيوتن في المنافسة بينهما على احتلال المرتبة الثانية.  قدم نيوتن للبشرية نظرية الجاذبية الكونية ممهدا الطريق لعلم الميكانيكا وقوانين الحركة فخلده التاريخ، واختاره مايكل هارت لاحتلال المرتبة الثانية في كتابه.  
كما أن للعالم "نيوتن إنجازات" في مجال الفيزياء، كان لأبي مازن إنجازات في مجال البحث، فكتابه "العلاقة السرية بين الصهيونية والنازية"، وهو في الأصل رسالته للدكتوراه، الذي فيه ذكر- مازحا أو جادا- أن حرق اليهود في أفران الغاز في معسكرات الاعتقال النازية كان نتيجة تعاون الصهاينة والنازيين، وأن عدد ضحايا اليهود كان أقل من مليون إنسان، بالتحديد (999،999 ). قام "أبو مازن"  بالتكفير عن خطيئته في لقاء العقبة في شهر نيسان 2003. وهناك وكي يتجنب القيام بالاعتذار عما كتب، بكى مع الباكين على عذابات اليهود. فهل هذا يحسب له أم ضده؟ نقول إن حزنه على ضحايا النازية يحسب له من الناحية الإنسانية، بغض النظر عن عدد الضحايا، ولكن يحسب ضده من الناحية العلمية، فقد تراجع عن موقفه. 
لذلك أبعدناه عن المرتبة الثانية، والتخلي عن الموقف لصالح الحقيقة ليس عيبا ولا نقيصة ، ولكنه تعرض لضغط سياسي من قبل اسرائيل والرئيس الامريكي جورج بوش الإبن، فغير رأيه، وهذه ليست صفة من صفات العظماء. 
يبدو أيضا أنه حقق التعادل النسبي مع السيد المسيح عليه السلام، باختلاف الزمان والمكان في المنافسة على المرتبة الثالثة. فالمسيح أرسى المبادىء الأخلاقية للمسيحية، وأبومازن أرسى مبادئ السلام، بما كتب وألف وكان أول من وقع اتفاقية من الجانب الفلسطيني مع الجنرال ماتيتياهو بيليد، في مطلع عام 1977، بموجب هذه الاتفاقية وتفاعلاتها، جر "أبو مازن" الزعيم ياسر عرفات أو انجرا معا أو خططا للإنجرار معا إلى التوقيع على اتفاقية اعلان مبادئ السلام مع إسرائيل على أساس الحل بإقامة دولتين. وكان لهذه الاتفاقية عام 1993 لها ما لها من النتائج الوخيمة على الشعب الفلسطيني، الذي لم يحظ بلحظة سلام، لا في زمن الحرب والهزائم المتكررة، ولا في زمن سلام أوسلو. 
نجاح السيد المسيح في إرساء قواعد الأخلاق المسيحية وفشل أبي مازن في سلام أوسلو يدعونا لعمل مقارنة بين الوضعين أو المفارقتين.  
المفارقة الأولى أن الإخلاق المسيحية تغلغلت في القلوب والعقول وأصبح أتباعها الأكثر عددا في العالم، بينما لا يتجاوز عدد أتباع سلام أوسلو عدد أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح. ونرى أن عدد الناقمين على الأخلاق المسيحية لأسباب أيدولوجية كثر، ولكنهم قلة قليلة بالمقارنة مع عدد الناقمين على سلام أوسلو، إذ أن عددهم يفوق عدد سكان الأرض جميعا، لو افترضنا أن الكرة الأرضية مسكونة بالفلسطينيين فقط. 
 والمفارقة الثانية أن مبادئ المسيحية لها تأثير إيجابي واضح في البشر، سواء كان التأثير إيجابيا أم سلبيا، فلا ينكر أحد أن المسيحية أرست مبادئ الأخلاق، وهي لا تزال تدافع عنها ضد الوثنية المعاصرة، ولكن سلام أوسلو ليس أكثر من شبكة عنكبوتية للتموية المزيف لعلاقات بين شعب محتل وقوة محتلة. 
النتيجة: لا يمكننا أن نضع السيد "أبومازن" في المرتبة الثالثة. 
نكمل غدا







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق