تحقيقاتٌ تُرهِبُ السلطانَ ولا تَرْهَبُهُ

تهافت سماسرة الأراضي والوطن

27‏/02‏/2012

التحقيق - الحلقة الثانية



يكتبه المحقق الصحفي: سعيد الغزالي
تعطيل الأنظمة والقوانين في جامعة القدس، فساد مؤسساتي لأسباب "نبيلة"
هذا التحقيق الذي يتناول جانبا من جوانب الفساد في جامعة القدس، قد يدفع بعض المسؤولين فيها إلى اتهامي بأنني أهاجم "آخر صرح
وطني في المدينة"، ولكني لا أبالي بهذا الزعم الذي يفتقر إلى أي منطق، فهدفي الكبير، رغم توقعاتي المحدودة، هو كشف الفاسدين وتنظيف الجامعة منهم، وأخشى أن يكون مجرد صيحة في الوادي، ولكنه رصاصة أطلقها، فإن لم تصب هدفها، فإنها ترهب أصنام مجلس امناء الجامعة الذين لا يقومون
بأي دور يذكر لتصحيح المثالب والعيوب في الجامعة.
قد يكون كشف معظم جرائم الفساد في بعض دول العالم أمراً عاديا وإجراءً روتينيا، إذ تحول ملفات الفاسدين إلى المحاكم ويعاقبون بالغرامة أو الحبس، أو يبرأون، ولكن في بلاد السلطة الفلسطينية، التي لا تعمل فيها أجهزة رقابية حقيقية، ولا سلطة تشريعية نافذة القول والقرار فيها، ويغيب عنها الإعلام المهني الحر، والقضاء النزيه المستقل، والسلطة التنفيذية الراعية لمصالح الناس وأمنهم، في هذه البيئة المعقدة، يعتبر كشف الفساد أمرا مستهجنا، وسباحة ضد التيار لا يقبل بها من نصبوا أنفسهم أُولي الأمر الذين يكافئون الفاسدين بالعطايا والمناصب والترقيات ، مدمرين بذلك مؤسسات الدولة الفلسطينية التي يزعمون أنهم يقومون بتأسيسها، ويعاقبون المدافعين عن الحقوق المدنية العامة، والمحتجين على هدر المال العام بتشويه سمعتهم وحبسهم وتحريض إسرائيل عليهم.
لعل أصدق دليل على هذا القول، الذي اسميه فسادا سياسيا مبتذلا، تلك الحملة التي شنها مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية ضد المحامي المقدسي فهمي شبانه، لكشفه بعض ملفات فساد كبار المسؤولين في سلطة رام الله، فقد شهروا به واتهموه زورا وبهتانا بالعمالة لإسرائيل، رغم أن سجله أثناء قيامه بعمله في مناصب هامة في السلطة يدل على نزاهة في الأداء وشرف في الموقف. لم يكتفوا بحملة التشويه ضده، بل أوعزوا للإسرائيليين باعتقاله.
هنا في هذا التحقيق، أفتح ملف الفساد في جامعة القدس. والمعلومات عامة وشحيحة وليست متداولة بين الناس، فساد إدارة الجامعة موجود وواضح، ويكاد يكون الوضع فيها صورة مصغرة لفساد المؤسسات الأكاديمية أو غيرها في فلسطين، لذلك، كان جمعي للمعلومات عملا عسيرا ومضنيا، وكان تعاون بعض "الناقمين" من الأساتذة غير بناء، ومتسما بالجبن، والخوف على الوظيفة والراتب. فألقيت الإدعاءات في سلة المهملات، ووجهت أسئلة لـرئيس الجامعة أ.د. سري نسيبه، ثم عرضت أجوبته على الأشخاص المعنيين ليردوا على أقواله.
وإنني أتحدى أ.د. نسيبه أو أي مسؤول في الجامعة أن يرد على هذا التحقيق.
وقبل أن أعبر بوابة الحرم الجامعي، اطلعت على دراسة معنونة بـ "واقع الحوكمة الرشيدة في جامعة القدس"أعدها الباحثان الفلسطينيان د. جمال حلاوة ونداء دار طه. لامت الدراسة "الوصوليين الذين يعرقلون محاولات إدارة الجامعة تطبيق القانون". وقالت الدراسة أن عدد الوصوليين لا بأس بهم، دون أن تذكر أسماءهم أو تحدد مراكزهم الوظائفية أو عددهم أو طبيعة جرائمهم. ولماذا ينجحون في مسعاهم، ولا تستطيع الجامعة أن تضع حدا لمسلكياتهم وجرائمهم؟ تلاحظ الدراسة وجود محسوبية وازدواجية في تطبيق القوانين في الجامعة، ولكنها تعزو أسباب ذلك إلى تفشي العشائرية، والفقر، والعادات والتقاليد البالية في المجتمع، والأوضاع السياسية المتردية وضعف الموارد المالية. ولم تفسر لنا الدراسة كيف يحدث ذلك.
وجه الباحثان لوما للإحتلال في منع الأمن الفلسطيني من الوصول إلى الحرم الجامعي في أبوديس لفرض القانون، وكان ذلك أول استنتاج لهما لتبرير فشل إدارة الجامعة في تطبيق مبادىء الحوكمة، كالنزاهة والمساءلة. ونسأل: هل صدر أمر قضائي بحبس أو تغريم أو إنهاء عقد عمل أي مسؤول في الجامعة ثبت ارتكابه جريمة فساد مالية أو إدارية أو أخلاقية؟ ونعلم أن الإجابة هي النفي، فلماذا اذن هناك حاجة لقوات الأمن الفلسطيني لكي تصل إلى الحرم الجامعي؟ والسؤال يلد سؤالا آخر: إن قوات الأمن الفلسطيني تستطيع أن تصل إلى مقرات الحرم الجامعي في بيرزيت والنجاح وجنين والخليل وبيت لحم، فهل توقف الفساد في هذه الجامعات؟  
في الوقت الذي يُجهد الباحثان في معهد التنمية المستدامة في جامعة القدس، نفسيهما في توجيه الأسئلة وجمع البيانات وتوزيع الاستمارات على الطلبة، لتحليل واقع "الحوكمة الرشيدة" في الجامعة، يشير واقع الحال إلى تفشي الرشوة والمحسوبية، وسوء الإدارة والتخطيط، ووجود صراعات بين مراكز قوى داخل الهيئة الإدارية والتدريسية، وغياب كامل لأي دور إشرافي من قبل مجلس الأمناء.
إنصافا للجامعة نقول بأننا لا نتجاهل التأثير السلبي الناجم عن رفض إسرائيل الإعتراف بها، وتوظيف خريجيها في مدارس القدس أو مستشفياتها، أو جمعياتها، الأمر الذي أدى إلى عزوف الكثير من الطلبة المقدسيين عن الدراسة فيها، ولا نُنكر على إدارة الجامعة إصرارها على عدم إغلاق فروعها في كلية هند الحسيني، وكلية بيت حنينا ، وإنفاقها ميزانية سنوية تزيد عن مليوني دينار اردني على هذه الفروع والمراكز البحثية داخل البلدة القديمة، للمحافظة على ما تبقى من هويتها العربية.
إني في شك في نواياهم، من ان "إنشاء مركز دراسات القدس"، على سبيل المثال، كان بغرض استخدامه كأداة يتم عن طريقه تسول المعونات المالية، فماذا يفعل مركز دراسات القدس؟ إنه مجرد مركز يقدم خدمات سياحية للأجانب واليهود حاملي الجنسيات الأجنبية ويعلمهم اللغة العربية ويطلعهم على معالم المدينة المقدسة.
وقد يكون الحديث عن الصمود في القدس ودور الجامعة في تثبيت الهوية العربية فارغا من محتواه ومعناه، إن لم تسنده مبادىء الحوكمة الرشيدة، فتكون إدارة الجامعة أكثر حزما وأشد حرصا على تطبيق الأنظمة والقوانين وتحافظ، بالتالي،على اسم جامعة القدس ودورها ، بدلا من الانجرار إلى مستنقع الفساد، الأمر الذي أفقدها سمعتها الأكاديمية.
في إطار بحثنا التحقيقي، اكتشفنا أن أ.د. نسيبه لم يتوقف منذ سنوات عن تعطيل قوانين الجامعة وأنظمتها مفضلا تعميم حالات الاستثناء، أي المعاملة الاستثنائية في مجالات قبول الطلاب، والبعثات الدراسية، والتوظيف والترقيات، والإنفاق، وتعيين الأقارب، خارج إطار الأنظمة والقوانين، وتغليب الولاءات الشخصية والفئوية، على مصلحة الجامعة الحقيقية في الإلتزام الصارم بالأنظمة والقوانين.
يعترف أ.د.نسيبه، على سبيل المثال، بأن الجامعة، في مجال المساعدات الطلابية، لا تنفذ سياسة أو تفرض شروطا محددة لقبول أو رفض المساعدات التي تقدمها الجهات المانحة للطلبة. جاء ذلك في رده على سؤال وجهناه له حول استئثار الطلبة المنتمين لحركة الشبيبة بحصة الأسد من المعونات المالية المقدمة للطلبة، وخصوصا أؤلئك الذين يكتبون التقارير ويرفعونه إلى إدارة الجامعة والمخابرات.
"ما يحصل بخصوص المساعدات الطلابية أن كل مؤسسة مانحة تضع شروطها الخاصة بها، والتي تختار الطلاب الذين تريد مساعدتهم، فالبعض يريد مساعدة أيتام أو أبناء شهداء أو أبناء مخيمات مثلا، البعض الآخر يشترط التفوق العلمي وآخر يشترط أن يكونوا من أبناء القدس.... بمعنى آخر القرار ليس لدى إدارة الجامعة بل هو بيد الجهة المانحة"
تحدث محاضر في دائرة العلوم السياسية رفض التصريح باسمه عن وجود ثلاث مراكز قوى في الجامعة، الأول يتشكل من موظفين كبار لهم ارتباط بالاجهزة ألأمنية، ويسيطرون على الملف المالي ولديهم ميليشيات سرية بين صفوف الطلبة، ويتمتعون لقاء خدماتهم بالاستثناءات والامتيازات والمنح المالية، ويجبر الأساتذه على إعطائهم علامات نجاح في المساقات الدراسية، وهم القوة الضاربة التي تطيح بالمحاضرين المتمردين، باستخدام سلاح التقييمات الطلابية ضدهم، أو كتابة التقارير السلبية عنهم. ومركز القوى الثاني من آل الدجاني الذين يسيطرون على علاقات الجامعة الخارجية، وخصوصا في اوروبا والولايات المتحدة، ثم يضاف إليها مركز قوة الليبراليين، الذين يحتلون بعض مربعات لوحة الشطرنج الجامعية. يقول هذا المحاضر أن أ.د. نسيبه يسيطر على مراكز القوى ويتعامل معها كأحجار الشطرنج بصورة تعزز سيطرته على الجامعة.
اتهم المحاضر أ.د. نسيبه بأنه يقوم بتعميم استعمال حالات الاستثناء كنظام غير مكتوب ويطبقه على نطاق واسع، لتجاوز الانظمة والقوانين، ولا يخفي نسيبه تأييده لفكرة الاستثناء بل يدافع عنها ويبررها في إجاباته على مجموعة الأسئلة التي وجهناها له. فهو يقول أن برامج الدراسات العليا قد تم فتحها بهدف إعطاء فرصة "لذوي الخبرة سواء في مجال الإدارة والاقتصاد أو في الموضوعات السياسية والذين حرموا من حصولهم على شهادات عليا نتيجة الاعتقال أو منعهم من السفر أو لظروف اجتماعية أخرى".
يضيف: "يضيف: "تتم قولبة هذه الخبرات وتنسيقها وتغطيتها بشهادة تثبت ذلك لتحسين وضعهم الوظيفي أو المعيشي ولمساعدتهم في أخذ دورهم في المجتمع بشكل عام. فمثلاً شخص لديه خبرة طويلة لمدة تصل بين 10-20 سنة في البنوك أو إدارة الشركات، ولكن معدله في "البكالوريوس" مقبول،  يتم
  إعطاؤه فرصة لدراسة الماجستير بشكل استثنائي. شخص آخر معتقل سابق لفترة طويلة ولديه خبرة واسعة في العمل السياسي أو النقابي وكان معدله في البكالوريوس متدني يتم إعطاؤه استثناءً لقناعتنا بضرورة مساعدته وتأهيله".
اعترض عمداء برنامج الدراسات العليا على حالات الاستثناء هذه، لكن أ.د. نسيبه يقول إنه لم يقبل اعتراضهم، لأنه إن قبله سيجد نفسه بين خيارين، ويتساءل: هل نساعد هذه الفئات لظروفها الخاصة كحالات استثنائية أو نحافظ على النص الحرفي للنظام ونعاقب هذه الفئات؟"
يتجاهل أ.د. نسيبه الحالات المقصودة ومنها أن الذي يريد مساعدته، في هذه الحالة الاستثنائية التي اعترض عليها عمداء الدراسات العليا السابقين، هو المليونير والوزير السابق والقائد الفتحاوي، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد دحلان، الذي فقد مكانته بين زمرة الفاسدين في قيادة رام الله، فإن اعترض المعترضون على مساعدته لهذا المليونير، وإن قبل أ.د. نسيبه اعتراضهم، سيجد نفسه "مع الاحتلال" المناهض للفئات الإجتماعية، حسب تعبيره. عميد الدراسات العليا السابق د. حنا عبد النور يرجح أن تكون الأسباب وراء هذا النهج ذات طابع سياسي. فعلا، هذا لا ينطبق عليه أي من الحالات التي ذكرها أ.د. نسيبة لتبرير الاستثناءات ليكون التفسير الوحيد أنها رشوة أكاديمية لأغراض سياسية.
تخفي سياسة الاستثناء تحت طياتها ممارسات لسياسة محاباة علنية ومكشوفة، لا تقتصر فقط على أؤلئك الأشخاص الذين "لديهم خبرة واسعة في العمل السياسي أو النقابي"، على حد قول أ.د. نسيبه، بل تتعدى ذلك إلى محاباة الطلبة والأساتذه المرتبطون بالسلطة الفلسطينية أو بالأجهزة الأمنية، تحت يافطة استثناء الحالات الخاصة.
يتمتع أ.د. نسيبة باستثناء هو أيضا، إذ يحتل كرسي الرئاسة منذ أن عينه الرئيس الراحل ياسر عرفات رئيسا للجامعة، عام 1995، واستمر طيلة هذه الفترة بالقيام بمهام منصبه، رغم أن النظام الداخلي لا يبيح له ترؤس الجامعة لأكثر من أربع سنوات يضاف إليها سنة تجديد واحدة، لكنه لا يزال رئيسا للجامعة منذ سبعة عشر عاما، ويعني ذلك أن القانون والنظام الذي يحدد فترة رئاسته للجامعة لأربع سنوات، قد أصبح في خبر كان، والاستثناء الذي أصبح سياسة ثابتة في الجامعة لا يتوقف عند الرئيس بل يتعداه إلى ابنه د. جمال نسيبه الذي عينه نائبا للرئيس لشؤون القدس، ويبرر ذلك بقوله إنه "يحمل شهادة دكتوراة في القانون من أشهر الجامعات الأمريكية"، وإنه مكلف "لمتابعة تطوير الجامعة داخل القدس، الأمر الذي هو في غاية الخطورة والحساسية".
د. جمال نسيبه استثناء، والموضوع الخطير والحساس الذي يتابعه استثناء أيضا، فهو يريد انتزاع اعتراف إسرائيل بالجامعة، فهل استطاع نسيبه الإبن أن ينتزع هذا الإعتراف، لكي نعتبره استثناءً؟ هل تابع هذه القضية في المحاكم؟ وكم كلفه الأستثناء من رواتب ومصاريف ومهمات؟ في الحقيقة لم نسمع حتى هذه اللحظة بأي شيء سوى الاتصالات مع الاسرائيليين وتطبيع العلاقات بهم.
أما زوجه السيدة لوسي نسيبه، التي عينها أ.د. نسيبه رئيسة لمركز الإعلام العصري في الجامعة، فهي أيضا استثناء "لتخصصها وشهادتها، وتخرجها من جامعتي اكسفرد وهارفرد وقدرتها على جلب الدعم المادي والأكاديمي والمعنوي لأنشطة المركز". وهي استثناء أيضا لإنجازاتها لمشاريع مشتركة مع جامعة هارفرد في أمريكا وجامعة انتويرير في بلجيكا تقدر مداخيلها بأكثر من نصف مليون دولار منذ تعيينها قبل 4 سنوات وحتى الآن.
حالات الاستثناء لا تقتصر على الرئيس وزوجه وابنه، بل تمتد إلى طريقة اختيار المبتعثين للدراسة في الخارج، والمعاملة الاستثنائية الخاصة التي يحظى بها الطلبة المرتبطين بالأجهزة الأمنية، وبعض القياديين فيها.
أ.د. منذر الدجاني عميد كلية الآداب سابقا وزوجه د. خلود نائب الرئيس في شؤون مجلس الأمناء سابقا كانا أيضا حالات استثنائية، فهما يعملان في الجامعة منذ 17 سنة، وقد تقدما بطلب للمساهمة في مصاريف ابتعاث ابنهم للدراسة في المملكة المتحدة لمدة سنة، فوافق أ.د. نسيبه على ذلك. فهل كان آل الدجاني الوحيدين الذين عملوا في الجامعة لسبعة عشر عاما، لنبرر استثناءهم وابتعاث ابنهم إلى المملكة المتحدة؟
والمبتعث الدجاني، بعد نيله الشهادة سيعود للعمل في الجامعة، فيصبح بذلك عدد الأقارب العاملين في الجامعة من عائلة الدجاني أربعة، وهم الأب والابن والزوجة والقريب أي أ.د. محمد الدجاني. ولكن الإستثناء لا يشمل فتاة فقيرة وذكية من سلوان تقدمت بطلب للابتعاث، لأن أ.د. نسيبه لا يعلم بأمر طلبها، رغم أن سياسة الجامعة هي إعطاء الأولوية في الابتعاث للفتيات، حسب قوله، وهنا يقترح أ.د. نسيبه على كاتب هذا المقال أن يطلب من الفتاة مراجعة الجامعة، ولكن لماذا لم يقترح أن يحقق في طلب الفتاة؟ لماذا لم يبحث في ملفات الجامعة إن كان ملفها موجودا، أو أن طاحونة الإهمال قد طحنته. وكم عدد الطلبات الأخرى التي تم طحنها؟
مثل غالبية الأكاديميين في الجامعة وقف د. عبد النور ضد سياسة الإستثناءات المشوهة للمنظومة المؤسساتية وأهدافها، بأنظمتها وقوانينها، حيث أشار إلى أن سياسة الاستثناءات هي سياسة غير ديمقراطية تكافئ الطالب "الفهلوي"، الذي يأخذ ما لا يستحق أكاديميا وماليا من خلال الاستثناءات والإعفاءات دونما الالتفات إلى ما هو حق له وما هو واجب عليه في إطار المساواة مع أقرانه من الطلبة الآخرين. هناك طلاب يفصلون من الجامعة ثم يعودون إلى مقاعد الدراسة، هناك طلبة لا يُقبلون للدراسة في الجامعة لتدني معدلاتهم، ولكنهم يصبحون طلابا، تحت بند الاستثناءات. تخيل حجم المشاكل الناجمة عن وجود آلاف الطلاب في نفس المكان، وعليك أن تقدم معاملة خاصة لمجموعات من الطلبة "الفهلويين". وعندما يواجه بعض الأكاديميين في الجامعة إدارتها ويطالبونها بضرورة التمسك بالأنظمة والقوانين، تجيب إدارة أ.د. نسيبه بقولها: "إننا وضعنا الأنظمة والقوانين ونستطيع أن نغيرها"!

في ظل غياب الرقابة المالية والإدارية، تترنح الجامعة حاليا تحت وطأة مديونية مالية قدرت بالملايين، ما أرغم رئيسها أ.د. سري نسيبة إلى إرسال خطاب بـ "الفاكس" إلى السيد رئيس الوزراء د. سلام فياض يطالبه فيه دفع سبعة ملايين دينار أردني لإنقاذ الجامعة من أزمة مالية مستمرة ومستفحلة بطغيانها منذ سنوات، دون أن تلوح في الأفق بوادر حل جذري لها.
لقد أرغمت الأزمة المالية إدارة الجامعة على خصم عشرين بالمائة من رواتب الموظفين، كما قال د. عبد النور، مشيرا بإيجابية إلى قيام إدارة الجامعة منذ بداية العام الدراسي الحالي باتخاذ بعض الإجراءات الإصلاحية للحد من تفاقم الأزمة المالية. ونتساءل: هل ستكون هذه الإجراءات كفيلة باستئصال الفساد المالي والإداري الذي جعل حل الأزمة مستعصيا؟ تبدو الأزمة أكثر تعقيدا، فلو اتخذ رئيس الجامعة قرارات حاسمه، فإنه سيجابه معارضة شديدة وضغوطات من مراكز القوى المستفيدة من أوضاعها المتردية، وهو بحاجة لذلك إلى غطاء سياسي وأمني لحماية قراراته وتنفيذها.
مع ذلك لم ترغم الأزمة أ.د. نسيبة على تقليص مصروفاته المتنوعة مثل الحرس الشخصي والسفر. فإن كان بحاجة إلى حرس لأنه شخصية سياسية، وله مواقف وأراء تخالف الرأي الشعبي السائد، الأمر الذي يعرض حياته للخطر، فلماذا يحظى ابنه د. جمال بحماية حارس أيضا؟ هل أصبح د. جمال مثل أبيه شخصية سياسية بحاجة إلى حراسة شخصية؟
"فبركات نسيبة غير مقبولة"، هكذا قال لنا د. وائل عبد لافي عابدين الذي فصل من الجامعة لمشاركته في إضراب نقابي لرفع الرواتب، وتورطه في مشادة كلامية مع أ.د. حسن دويك، نائب رئيس الجامعة التنفيذي. عبر أ.د. نسيبه عن ترحيبه بعودة د. عابدين للتدريس في الجامعة في أي وقت، لأنه كفاءة. لكن د. عابدين يسخر من قوله، وينفي أنه خير بين وظيفيتين قبل فصله، إحداها في جامعة القدس المفتوحه، ويقول: أنا لم أعمل في جامعة القدس المفتوحة، وبناءً على هذا الإدعاء، قمت بإحضار رسالة من جامعة القدس المفتوحه تبين عدم عملي فيها. وتمت تسوية الأمر في حينها. يضيف "لم يتم تخييري بين العمل الذي ادعى في حينه أنني أعمل فيه وبين عملي في جامعة القدس، وإنما وجه إلي كتاب فصل والطلب مني مراجعة دائرة شؤون الموظفين لإنهاء عملي".
يشير الأكاديميون الذين تحدثنا معهم إلى أن استفحال الأزمة سببه الفساد المالي والإداري المستشري في أوساط الجامعة، والنزاعات بين مراكز القوى، وغياب المبادرة الفورية للبدء في عملية إصلاح جذرية تغير السياسات والإجراءات، وتؤسس لجامعة نظيفة من الفساد.
في ظل هذا التردي، تتزايد أصوات الطلبة مطالبين المانحين بالإحجام عن مساعدة الجامعة حتى تقوم إداراتها بالقضاء على الفساد الإداري والمالي، في الوقت ذاته، تضيع الحقيقة حول حجم وأنواع الفساد بين أشخاص في ثلاث دوائر.
في الدائرة الأولى، يتمسك رئيس الجامعة أ.د. نسيبة بمنصبه منذ17  عاما، والفاسدون الكبار، وبعضهم تربطهم اواصر القربى والنسب: الزوج والزوجه وابنهما أو ابنتهما يعملون في نفس الدائرة، وهم يمارسون الفساد ويستفيدون منه، وعندما يُسألون عما يفعلون، يراوغون وينكرون جرائم فسادهم، وحولهم في الدائرة الثانية، مجموعات الموظفين الصغار المشاركين في جرائم الفساد، أو الساكتين عنه، الذين يعرفون الكثير عن تلك الجرائم ويستطيعون إثباتها، بشهاداتهم ووثائقهم وفواتير مصاريفهم، لكنهم يخشون إن صرحوا بما يعلمون أو نشروا الوثائق المخبأة في أدراجهم أن يفقدوا مراكزهم المرموقة، وفي الدائرة الثالثة، يدافع أشخاص بأصوات عالية عن الفساد، متهمين الشرفاء الذين يساهمون في فضحه، بأنهم "صهاينة العرب" يسعون "لإغلاق آخر صرح وطني في المدينة".
هؤلاء جميعا يمتطون قارب الفساد، فساد لأسباب "نبيلة" حسب اعتقادهم، ويمخرون عباب مستنقعه.
وأما الآخرون وهم أكثرية الـ13  ألف طالب وطالبة، والـ 1150 موظفا وأكاديميا يعملون في60  دائرة أكاديمية وإدارية، وبعض العمداء من الـ14  عميدا في الجامعة، فهم الفريق الأخطر من تلك الجهات الثلاثة، لأنهم يحسون بوجع الفساد، أو يشاهدونه في المكاتب وقاعات التدريس، ويقرأون عنه في الوثائق ويشعرون بوطأته في القرارات الإدارية، ويعانون منه في حاضرهم، ومستقبلهم، لكنهم يصمتون صمت الأموات في القبور، وهم يساهمون بذلك في تدمير جامعتهم، وضياع مستقبلهم.
لا يعني الفساد فقط خرق القوانين، وإنما الفساد هو كل عمل يقوم به الأشخاص يؤدي إلى الإساءة لمسيرة المؤسسة ويخرب أنظمتها ويزعزع ثقة الأفراد في مصداقيتها. ولذلك فإننا نعتقد أن الاستثناء فساد له جذوره في جامعة القدس، والسؤال الذي نود أن نوجهه إلى السيد الرئيس محمود عباس: أيجوز ممارسة الاستثناء؟ وهل يعلم سيادة الرئيس بذلك؟ وهل تتابع السلطة الفلسطينية التقارير المالية للمؤسسات بغرض المحافظة عليها واستشعار أي خطر قد يتهددها خصوصا المؤسسات الصامدة في القدس؟
أوجه سؤالا آخر إلى السيد أحمد قريع: ألست المسؤول عن أعلى هيئة رسمية مسؤولة عن الجامعة بصفتك رئيس مجلس الأمناء، وبالتالي مسؤول عما يجري في جامعة القدس، أم أن خلف الأكمة أشياء لا تحب أن تظهر؟ ما الهدف من التقارير المالية وكيف يتابع مجلس الأمناء أوضاع الجامعة؟
أوجه سؤالا آخر إلى السيد رفيق النتشة رئيس هيئة مكافحة الفساد، باعتباره الفارس دون كيخوته الذي سيطيح بصروح الفساد: هل وجهت أي تهمة لأي مسؤول في جامعة القدس؟ وهل حولت ملفه إلى محكمة الفساد"؟
إنجازات جامعة القدس في خطر بسبب الوضع المالي والإداري الناتج عن الفساد، مثل بنيان جميل مبني على الرمل، سينهار أمام أول عاصفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق