تحقيقاتٌ تُرهِبُ السلطانَ ولا تَرْهَبُهُ

تهافت سماسرة الأراضي والوطن

15‏/02‏/2012

الفساد الفلسطيني في حلقات


سأطرح مقدمتي وأنا فلسطيني غاضب وأعتبر نفسي طرفا , لا أستطيع أن أكون متفرجا محايدا بلا رأي او موقف كما تتطلب المهنية الصحفية , ولكني لن أتجنى على أحد, سأكون واقعيا اعكس حقيقة ما يقع بين يدي من وثائق , ابحث عن الحقيقة بمهنية , لا أحابي أحدا وأكون مرآة وعينا وأُذنا للحقيقة . تختلف طقوس الفساد من بلد إلى آخر, وهي تشبه طقوس الموت في كل مكان, الطقوس تختلف والفساد واحد

وفي بلادنا لنا طقس خاص, أنواعه مركبة, هو طقس 



فريد,فاسدون مترفون تحت الاحتلال ويعرفون انفسهم بالمناضلين , الفاسدون في السلطة الفلسطينية لديهم مؤسسات خاصة  ومؤسسات عامة , مناضلون يعيشون في قصور تحت ظل الاحتلال , لهم مكاتب , يرتدون ثيابا فاخرة, لا يسيرون إلا في مواكب, لديهم جند وميليشيات وعصابات. بعضهم يجيد الخطابة, بعضهم يسمي نفسه مثقفا ثوريا , يرقصون في كل ساحة, بعضهم مفكر وله كتب ودراسات, يستر بها عورته, بعضهم عسكري يتشدق بإنجازات ليس هو صاحبها , بعضهم موظف كبير محاط بطابور من المطبلين , بعضهم رئيس مؤسسة, بعضهم وزير , البعض الآخر قيادات أمنية مختلفة المستويات . بعض الفاسدين يمارسون فسادهم وهو بكامل أبهتهم السياسية, ولا أحد يجرؤ أن يقول لهم أنتم فاسدون, حتى الحديث عن الفساد وهمُّ, والكلام عن مكافحته جريمة يعاقب عليه قانون المناضلين , الفاسدون يحكموننا بقبضتين: قبضة القوة المستمدة من قوة الإحتلال, وقبضة المال السياسي الذي تمنحه الدول المانحة لهذه السلطة, وتستعبدها به, وعلينا نحن أن نكون عبيد السلطة, وأن نقدم فروض "السمع والطاعة", نخضع ونصفق, فإن لم نفعل, سيحكم علينا الفاسدون بأننا جواسيس للإحتلال , الفاسدون الكبار قد يضحون بالفاسدين الصغار, ليقال عنهم أنهم وطنيون وغير فاسدين ويكافحون الفساد. لا جدية مطلقا في مكافحة الفساد. إنه مجرد كلام وكلام فقط. لا تنزعجوا من كلامي, لأن المطلوب هو الحديث عن مكافحة الفساد فقط وليس مكافحته واجتثاثه. هؤلاء الفاسدون يخلقون مناخا كاذبا, للاستهلاك الإعلامي, ويصنعون ضجة هائلة ولكن بلا طحن. ومنذ عام 1994 ونحن نشرب الكلام عن الفساد ومكافحته ونعرب عن سرورنا بذلك, وتسحبنا العواصف إلى داخلها, ونصبح جزءا من الفساد لأننا كاذبون ومنافقون, ومغرقون في ذواتنا, ومتشرذمون متفسخون كخرق القماش البالية, ولا نتفق مع بعضنا, والآخر عدونا, نعم, نحن الجراد الفاسد, وبلادنا بلا قائد, ونظامنا ساقط, ولشرعيته فاقد, ومحكوم بعصابة الفساد الذين حولوا الوطن إلى جثة, والتفوا حوله يرقصون, وفي أيديهم أدوت القطع حتى ينال كل واحد منهم نصيبه الأكبر من لحم الميت. الوطن منهك, والأرض لا تعطي الغلال, وإن أعطت لا يباع محصولها, والمصانع لا تعمل, والمحال لا تبيع, والطلاب لا يدرسون, والمحاكم تؤجل القضايا, والناس تتألم ولا تقول أخ , النفاق مستمر , الفساد لم يتوقف , عشاق الوطن قليلو العدد, ضعيفو الهمة, مرتعبون, وما أكثر عشاق السلطة, تجد في كل بيت عاشقا أو عاشقين لها, هناك فرق بين عشاق الوطن وعشاق السلطة, عشاق الوطن يجوعون بصمت ويموتون بصمت, وعشاق السلطة يقطعون من لحم الوطن ويأكلونه. أنواع الفساد في فلسطين متعددة, لا يمكن الفصل بين نوع وآخر, أي أنه لا حدود فاصلة بين الفساد في المال والإدارة والسياسة والأخلاق والأمن, فمثلا نجد في ملف رفيق الحسيني, فسادا أخلاقيا, لكنه فساد سياسي وإداري واستغلال للمنصب, ما احدث تدميرا كبيرا في هيبة المسؤول الفلسطيني. وفي ملفات أجهزة الأمن, فساد سياسي ومالي وإداري وأخلاقي, وفي ملف الشيخ تيسير التميمي فساد أخلاقي وإداري ومالي وقانوني, وفي ملف زياد أبو زياد فساد مالي وتزوير واستغلال للمنصب, ونفس الشيء ينطبق على ملف عزام الأحمد وشقيقه علام الأحمد. ملفات الفساد كثيرة جدا, لم تكشف كاملة حتى هذه اللحظة, وقد سلطتُ الأضواء على بعضها فقط, وكشفت بعض الملفات لغايات سياسية وشخصية. لا أزعم في هذا التحقيق أنني سأكشف هذه الملفات جميعا, فليس بحوزتي الكثير ولا حتى القليل, ولكني أمتلك قدرة مهنية وشجاعة على طرح الأسئلة, وقلمي يعرف من أين تؤكل الكتف, ولي تجربة في العمل الإعلامي تزيد عن ثلاثين عاما, جعلتني أعرف الكثير من الوقائع والخلفيات عن الفاسدين, فارتأيت أن أستفيد مما نشر , وأوجه أسئلة إلى المعنيين. هناك الكثير من هذه الملفات لا تزال في الأدراج, ومنها تلك الملفات التي لم يكشف عنها بعد ضابط المخابرات الفلسطيني السابق فهمي شبانه, وبعض الملفات موجودة لدى الإسرائيليين, وحركة المقاومة الفلسطينية حماس, وفي أدراج المخابرات الفلسطينية العامة وجهاز الأمن الوقائي, ولدى مسؤولين كبار في منظمة التحرير الفلسطينية, وأفراد متنفذين سابقين وحاليين, ومنهم خالد سلام, المستشار الإقتصادي للرئيس الراحل, وكلا من جبريل الرجوب, ومحمد دحلان, رئيسا جهازي الأمن الوقائي السابقين في الضفة الغربية وقطاع غزة, ورئيس جهاز المخابرات العامة السابق توفيق الطيراوي, والسيد رفيق الحسيني, رئيس ديوان الرئاسة المقال الذي وصف نفسه مؤخرا بأنه "الصندوق الأسود" للرئيس الفلسطيني محمود عباس, لكنه لا يريد أن يكشف شيئا من الأسرار التي بحوزته, كما صرح مؤخرا في حديث صحفي. نريد أن ننوه أن الكثير من هذه الملفات ضاعت أو دفنت بموت المتورطين أو العارفين بها من مسؤولين سابقين في منظمة التحرير, أو أنها أُتلفت عمدا. فقد ألزم الرئيس الفلسطيني محمود عباس جهازي المخابرات العامة والأمن الوقائي بإتلاف ما لديهم من تسجيلات وفيديوهات وأقراص مدمجة عن فضائح مخلة بالآداب ارتكبها مسؤولون أو أفراد, وكان الأحرى به أن يحول هذه الملفات إلى القضاء أو ما يسمى بهيئة مكافحة الفساد التابعة للسلطة, للتحقيق فيها وإحالة المتورطين إلى المحاكم. وكشفُ ملفات الفساد يحتاج إلى أجواء جديدة من الحرية, وصحافة حرة, وقضاء مستقل ونزيه, يحتاج إلى توفر قيادة متحررة من قيود الاتفاقيات المذلة, إلى أحزاب سياسية وتنظيمات لا تدور في فلك المحسوبية , أو تصلي في محرابها. الكشف الحقيقي يحتاج إلى أُناس وطنيين, لا يخشون أحدا, ولا يقيمون وزنا لمصلحة خاصة, ليس لهم أجندات شخصية أو أهداف كيدية. يحتاج إلى تشكيل هيئة قضائية وطنية مشتركة يتميز أفرادها بالنزاهة ويتمتعون باستقلال تام عن أي جهة سياسية, ولديها الصلاحيات التنفيذية للوصول إلى جميع مصادر الملفات, ومنها الملفات التي يحتفظ بها الأفراد وأجهزة المخابرات الإسرائيلية والمخابرات العربية والأمريكية والبريطانية وكذلك حركة حماس, أو الأفراد, وهذا أمر شبه مستحيل, نحتاج إلى أكثر من "ويكيليكس" له أذرع أخطبوطية, وأقول بثقة أن ما كشف من ملفات, حتى الآن لا يشكل إلا النزر اليسير. ما أفعله في تحقيقاتي, لا يخرج عن المألوف, لكنه لا يحدث في بلادنا أبدا, فجميع الأخبار المنشورة عن الفساد تفتقد إلى التحليل الدقيق, والجرأة في طرح القضايا. أقوم بدراسة بعض الملفات المنشور جزء منها , والاتصال بالمعنيين ومواجهتهم بهذه الملفات, لا غاية سياسية أو شخصية لي، غايتي هو الإسهام فقط في كشف الفاسدين. أطمح أن يحفز عملي هذا إعلاميين آخرين للقيام بما أقوم به, ويؤدي إلى بعض الحراك. الفساد "المشرش" في بيئتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية لا يمكن اجتثاثه إلا إذا تضافرت جهود الكثيرين, ومنهم الخبراء والمختصون في المجالات المختلفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق