تحقيقاتٌ تُرهِبُ السلطانَ ولا تَرْهَبُهُ

تهافت سماسرة الأراضي والوطن

17‏/02‏/2012

خضر عدنان موسى يواجه الموت صابرا متحديا

رغم أن موقعنا متخصص بكشف قضايا الفساد, إلا أننا قررنا كتابة تقرير عن خضر عدنان موسى, وذلك لأهمية إضرابه المفتوح عن الطعام, لإنهاء الإعتقال الإداري, ولو 
أدى ذلك إلى استشهاده. 
إنه يمثل نموذجا جديدا من البطولة, واسمه سيخلده التاريخ, كبطل واجه إسرائيل, وانتصر سواء استشهد أو أطلق سراحه.   
أدخلت هذه القضية إسرائيل في الأزمة, وهي, بالتأكيد درس في الإصرار على التمسك بالعدالة ورفض الظلم, وعدم مهادنة الباطل,للشعب الفلسطيني, وللأمة العربية
والإسلامية, فهل تتعلم السلطة الفلسطينية الدرس, وتتوقف عن باطلها بممارسة الفساد, أو اعتقال المناضلين من أبناء شعبنا. 
وإليكم هذا التقرير الذي كتباه عقب عودتنا من قرية عرابة يوم الخميس الماضي. 


لساعة, تحدثت رندة خضر جهاد موسى بكلام معبر, ممزوج بعاطفة الخوف الشديد على حياة زوجها الذي يخوض إضرابا عن الطعام منذ اكثر من 62 يوما, ولكنها, لم تستطع مقاومة لهيب .الأسى, وامتلأت عيناها بالدمع السخين من خلال فتحتي النقاب 
تحدثت المرأة الحامل ذات الحادية والثلاثين عاما, خريجة كلية الشريعة في جامعة النجاح في نابلس, وأم طفلتين, الكبرى معالي عمرها أربع سنوات, والصغرى بيسان عمرها عام ونصف عام, عن شهرين من المعاناة الشديدة,  وتخلل حديثها لحظات صمت مشحونة بالألم, الذي تعيشه لحظة لحظة, منذ اعتقال زوجها في السابع عشر من من كانون اول الماضي.
حاصرت قوات الأمن الإسرائيلية الخاصة في الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل, منزله واعتقلته, وهو في داخل الحمام,  وهوالآن في مستشفى ربيكا زيف في صفد مقيدا إلى سرير.
يوم الأربعاء قامت زوجه بصحبة ابنتيها ووالده عدنان بزيارته في المستشفى, وقد وجدته في حالة يرثى لها, يعاني من ضعف وهزال شديدين, لحيته غير مشذبة, وأظافر أصابعه طويلة, وصوته ضعيف. كان مقيدا من قدميه وذراعه اليمنى إلى السرير, وقد وُصل جسمه بجهاز مراقبة القلب. كان صاحي الذهن, ولكنه تكلم بصعوبة. 
قالت زوجه: "صدمت عندما رأيته على هذه الحال.لم أستطع .النطق بحرف لثلاثة دقائق, وكان هذا هو نفس وضع ابنتي معالي
قالت السيدة رندة موسى إنها على يقين بأن السلطات الإسرائيلية قد سمحت للعائلة بزيارته لأنهم يريدون من العائلة أن تمارس ضغطا عليه من أجل إنهاء إضرابه عن الطعام الذي بدأه في الثامن عشر من كانون الأول, احتجاجا على اعتقاله الإداري المتكرر, والمعاملة المهينة التي تعرض لها.  
قال له أبوه يحثه على إنهاء إضرابه: "نريدك أن تبقى على قيد الحياة. لا يمكنك أن تهزم هذه الدولة وحدك".
قالت له زوجه: "أتمنى أن تشرب كأسا من الحليب".
لكنه أجابهم:"لم أتوقع ذلك منكم, أعلم أنكم معي وسندي طول الوقت. أتمنى عليكم أن تتوقفوا".
 وعلقت السيدة موسى: "أنا أعرف زوجي, لن يتراجع عن قراره, وأتوقع أن يستشهد".
قبل يوم من زيارة العائلة له, قدم وفد من الصليب الأحمر الدولي, بينهم طبيب ومسؤولون كبار, لمنزل العائلة, وأخبروها بأن قلب زوجها يمكن أن يتوقف في أي لحظة, وهو يعاني من تهتك العضلات, ما يؤثر على قلبه ومعدته, ونبض القلب ضعيف, "وحياته الآن في خطر شديد.
أصدر أطباء يعملون في حقوق الإنسان تقريرا طبيا هذا الاسبوع لدعم شكوى مرفوعة إلى محكمة العدل العليا للمطالبة بإطلاق سراحه. قال التقرير إن السيد خضر عدنان موسى قد وافق على حقنه بسوائل وأملاح, فيها "جلوكوز وفيتامينات", لكنه رفض إنهاء اضرابه, وهو في حالة الخطر, وقد يداهمه الموت بتوقف قلبه عن النبض. أضاف التقرير أن الجسم لا يمكن أن يتحمل الصيام لأكثر من 70 يوما.
لم يحدد تاريخ لانعقاد جلسة المحكمة, وهي آخر فرصة قضائية لإنقاذ حياته, بينما أكدت زوجه أنه لن يتراجع عن إضرابه حتى يطلق سراحه, من أربعة أشهر من الاعتقال الإداري. 
اتخذت محكمة الاستئناف العسكرية هذا الاسبوع قرارا بإبقائه رهن الإعتقال الإداري حتى شهر أيار. 
يدير المعتقل موسى, 33 عاما,وهو خريج الرياضيات,  فرنا بالقرب من قباطية, وهو ناشط سياسي, وناطق باسم حركة الجهاد الاسلامي. واعتقل تسع مرات, بعضها إداري, ولمرتين اعتقلته اجهزة الأمن الفلسطينية, الأولى عشرة أيام بتهمة التظاهر في جامعة بيرزيت عام 1998 احتجاجا على زيارة رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبن, وتفوهاته ضد المقاومة, وفي الثانية 12 يوما, في اكتوبر 2010, لتحريضه الناشطين على عدم الاستجابة لأوامر الاستدعاء التي ترسلها أجهزة المخابرات والأمن الفلسطينية لهم ولرفضه المثول أمام التحقيق, وقد أمضى فترة اعتقاله مضربا على الطعام, وتدخل الرئيس محمود عباس شخصيا لإطلاق سراحه.   
وفي اعتقاله الإداري الأخير لدى إسرائيل, لم توجه له تهم محددة, ويسلط إضرابه الضوء على ممارسة الاعتقال الإداري, الذي بموجبه يعتقل الفلسطينيون بدون محاكمة, بناءً على ملفات سرية, لا يكشف عن محتواها لهيئة الدفاع أو المحامين. 
أثار رفض السلطات الإسرائيلية إطلاق سراحه موجة من الاحتجاجات شبه اليومية تأييدا له, أمام محكمة عوفرة العسكرية, بالإضافه إلى بيانات صادرة من هيئات حقوق الإنسان, ووقفات احتجاجية طلابية في الجامعات الفلسطينية.  
جلست رندة إلى جانبها ابنتها الكبرى معالي تحت يافطة في داخل المنزل, تقول: أرفض الاعتقال الإداري وسأبقى مضربا حتى إطلاق سراحي".
قالت زوجه: "إن إصراره على مواصلة الإضراب عن الطعام قد تعزز بتكرار اعتقاله الإداري, ومعاملة الإهانة التي تعرض لها. أضافت إن المحققين قد أجلسوه على كرسي صغير, ويداه مربوطتان خلف ظهره لمدة سبع ساعات, يتخللها ساعة راحة, ثم يستأنف شبحه. وقد سبب ذلك له ألما شديدا. نتف المحققون أجزاءً من لحيته وشاربه. تعرض لضغط نفسي شديد, وقد تحدث عن معاناته في عدة جلسات في المحاكم, كما قال المحامون لزوجه. 
قالت الزوجة أيضا: "قام المحققون بشتمي بكلمات قبيحة أمامه, زعموا أنني غير طاهرة, وأنني في الفترة التي يعتقل بها, أفعل ما أشاء, وأدور على حل شعري, وأعاشر الرجال, وأنني امارس الجنس مع ابنتي. وقد أثارت هذا المزاعم القبيحة غضبه". 
قالت الزوجه إن زوجها أخبر المحكمة العسكرية أن أحد المحققين اعترف له, وقال: نحن نعرف أنك تحبها, وهي تحبك, ولذلك قلنا ما قلناه ضدها, لاستفزازك".
أضافت رنده إن زوجها قد أعلن مرارا إن "كرامتي أغلى من الطعام" وأن أملها يبقى في قرار اسرائيل بأن "تبيض وجهها أمام العالم وتطلق سراحه". قالت: "إن زوجها وحده صاحب القرار الأخير بشأن إضرابه عن الطعام, عندما طلبت منه أن يشرب كأس الحليب, كنت أنقل فقط رسالة من أمه". 
سألت شقيقته واسمها معالي أيضا عن امكانية إقناع شقيقها بإنهاء إضرابه بالقول له: إنه قام ما قام به, ونجح في نقل رسالة احتجاج للعالم ضد الاعتقال الإداري. أجابت بأن شقيقها "يحب الحياة", وهو مثل أبيه صاحب رأي وموقف, وهو لا يريد الاكتفاء بنقل رسالة احتجاج للعالم. إنه يريد إنهاء اعتقاله الإداري. أضافت "إن إيمانها بالله كبير, وهو القادر على إخراجه من هذا الوضع, وأعتقد أن الله لن يخذله".   
بكلمات أخرى, قال والده عدنان: "بإن ابنه يقوم بعمل يرفع رأس كل فلسطيني عاليا, وهو يضحي بنفسه من أجل الحركة الأسيرة. فهناك المئات بل الآلآف الذين يعتقلون إداريا بلا محاكمة". 
تحدث والده عدنان بعد مقابلته للرئيس محمود عباس في مكتبه برام الله, الخميس. وقال بأنه عتب على الرئيس عدم قيامه بأي فعل لإنقاذ حياة ابنه, والضغط على إسرائيل, لإطلاق سراحه. أجابه الرئيس بأنه كان مسافرا ومشغولا, لكنه أصدر أوامره للحكومة بأن "تتفاعل مع قضية ابنك." أضاف الرئيس مخبرا والده بأنه سيطلب عقد لقاء بقناصل وسفراء الدول لمطالبتهم القيام بالضغط على اسرائيل لإطلاق سراحه, وأنه أصدر أوامره إلى وزير الخارجية بأن يعرض قضية خضر عدنان موسى في الجمعية العمومية. 
أضاف الرئيس بأنه يجري اتصالات بالإسرائيليين, ولكنه لا يملك القوة لإرغام إسرائيل على اتخاذ قرار بإطلاق سراحه.
ولم يستبعد السيد عدنان أن تثير قضية ابنه في حال استشهاده موجة من الاحتجاجات في فلسطين, شبيهة بالثورات العربية, وقال: "كم من همة أحيت أمه".
تذكرت الزوجه ما قاله زوجها لمحاميه: "أنا لا أريد أن اذهب للموت والعدمية, ولكني اريد أن ادافع عن حريتي, وإذا مت, سيكون ذلك قدري".
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق