تحقيقاتٌ تُرهِبُ السلطانَ ولا تَرْهَبُهُ

تهافت سماسرة الأراضي والوطن

13‏/09‏/2012

ألفلم الإباحي ثم أبو مازن وأنا


سعيد الغزالي
نعم إنني أشاهد فيلما عربيا إباحيا من نوع ثقيل، فيلما طويلا، مضجرا ومحبطا لا يثير التقزز فقط، بل يميت النفس الإنسانية، يظهر فيه رجال ونساء عراة ويفعلون الأفاعيل بأنفسهم أمام المشاهدين من الرجال والنساء والأطفال، بلا حياء، إنهم لا يخفون وجوههم بأقنعة، ولا يغيرون أسمائهم، بل يفخرون بما يفعلون.  
لا يتعلق الفلم بالجنس بل بالسياسة، السياسة الملعونة، والسياسيين المفعول بهم، لا يتعلق الفيلم بالعفة والطهارة بل بفقدانها، ولا بالشرف بل بانعدامه. إنه فيلم الدعاية الإباحية، والاستسلام الإباحي. كم هو مقيت، له نفس البدايات
وينتهي بنفس النهايات ونفس العقد والأمراض والسياسات العقيمة- انسداد في شرايين القلب، الدماغ لا يتفاعل، غلاء الأسعار، هبوط الأجور، ارتفاع الضرائب.  
أتساءل: لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟ أحاول أن أفتش عن إجابة مقنعه وعميقة، وأزعم أنني وضعت يدي عليها، ويكاد ينطق بها لساني. لو تمكن فقهاء الدين والثقافة في بلادنا من عقلنة الغيبيات وجعلها تسرح وتمرح في براري الفكر الإنساني لما أحسست بالغثيان، الناتج عن شعوري بأن المواطن حيوان داجن أليف حشا مخه بروث الموروثات الصدئة، إنه حيوان لا يحس بمواطنيته، لأنه لا يعامل كإنسان، ويعيش  في عصر حقير تحت تأثير أيدولوجيا متشددة ومنغلقة على نفسها، غير متصالحة مع الذات والآخر، والمواطن يتحرك كصرصار داخل صندوق مغلق. 
شاهدت الفيلم المسيء للنبي محمد علية الصلاة والسلام، كان فيلما مقززا، ولكن ردود الأفعال جاءت عنيفة ولا عقلانية. أحضرت إلى ذاكرتي الفيلسوف الطبيب الفيزيائي وعالم الفلك والقاضي ابن رشد الذي احرقت كتبه وطرد من بلده قرطبة. حدثني ابن النفيس عن الدورة الدموية وروى لي ابن طفيل قصة حي بن يقظان. ابن رشد وابن طفيل وابن النفيس وغيرهم ساهموا في بناء حضارة التنوير في اوروبا. وبقينا نحن في ظلام الفقة البدائي.  
من السهل على الأحبار والشيوخ والقساوسة أن يقنعوا الناس المحشورين في ذلك الصندوق أن العالم المغمور بالأنوار ليس موجودا، إن هم استقروا فيه. وهم لا يرغبون بل يقاومون الخروج منه، ويزعمون، مع كل فقرهم وجهلهم وبلادتهم وشقائهم ان حياتهم هانئة، من الضروري أن أحذَرهم لأنهم إن علموا ماذا يدور في رأسي من أفكار متمردة، سيرجموني بحجارتهم بلا توقف ويكفروني بلا رحمة.
نصحني اؤلئك الذين يزعمون أنهم عقلاء من بني قومي بألا أحاول أن أفتح شقا في الصندوق، يجب أن أكون قويا، لأصد عن نفسي هجمات الغوغاء. وقالوا إن كل محاولاتك لعقلنة هؤلاء ستبوء بالفشل الذريع. حكموا عليّ وعلى مئات الملايين أن نبقى في الظلام.  
قال الفنان التشكيلي العالمي سيلفادور دالي متحدثا عن محاولاته لعقلنة المدرسة السريالية وخلافاته الناشبة مع رواد تلك المدرسة الذين أصروا على الاستمرار في نهج اللامعقول: "كان كل شيء دنيئا بشكل فخم، والإنسان كان غير ضروري". 
وصفه هذا، إذا وسعنا آفاقه، لا ينطبق تماما علينا، فأوضاعنا أكثر سوءا، فإن حاولت وصفها بدقة، سأستخدم أربع كلمات، نحن كاذبون ثم متعفنون وهامشيون ومهزومون. ولكننا لا نعترف بذلك ، ونصر على حشو أمعاءنا المتلوية داخل أدمغتنا كالأفاعي بالتبن والروث، ثم نتقيأه أفكارا ممجوجة في الكتب والمحاضرات والدراسات التي لا تصلح إلا لسلة المهملات. لو حاولت أن اعدل عبارة دالي، سأحذف كلمة "فخم" وأستبدلها بكلمات أخرى "مقزز" أو "مقرف" أو "غير إنساني". 
راودتني هذه الأفكار للتعبير عن احتجاجي على العنف اللامعقول الذي مارسته الدهماء في ردها على الفلم الذي أساء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. 
أحس بأننا بأمس الحاجة إلى تحليل سيكوباتي لتفسير هذا التصرف من جانب الجماهير الغاضبة. هذا التصرف اللامعقول لا يصدر إلا عن إناس مهزومين. فنحن لم نتعلم أي درس من هزائمنا العسكرية المتكررة، وكأننا بعد كل هزيمة ، نستعد ونهيأ أنفسنا لاستقبال هزيمة جديدة. وهكذا توالت الهزائم: نكبة أيار 48 ونكسة حزيران 67، ونصف هزيمة اكتوبر الـ 73. وبعدها بدأنا ندفع أثمان هزائمنا في كامب ديفيد ثم في أوسلو، وتوجت هزائمنا في الغزو الأمريكي للعراق، وهذه الفوضى العارمة في سوريا، والثورات المنقوصة أو المتراجعة في مصر وليبيا واليمن.  
فلسطينيا، هزمنا في الانتفاضة الثانية، والذي أعلن هزيمتنا هو الرئيس محمود عباس، بل أجبرنا على إلقاء السلاح. انتصرنا في الانتفاضة الأولى، بعد أن هزمنا الاحتلال بالحجارة، لكننا لم نقطف ثمار النصر ، منعنا من قطفه، عاد عباس ورفاقه إلى الأراضي المحتلة، كان عراب اتفاق الهزيمة، زاعما أنه سينقذنا من الاحتلال، ولأننا نعيش في الصندوق المغلق، وأفكارنا مشوشة، صدقنا مزاعمه. 
عاد عباس ورهطه، منبطحين تحت بساطير عساكر الإسرائيلي، متسلحين ببنادق موجهة إلى رؤوسنا، وظهورنا، وأدخلونا إلى النفق المظلم، وقالوا: نأخذكم طائعين أو مرغمين إلى نهاية النفق حيث الشمس والنور. جاءوا كأكياس التبن المأخوذ من اسطبلات الهزيمة والإنكسار ومشينا خلفهم كالأنعام. واكتشفنا بعد 19 عاما أننا لا زلنا في النفق. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق