تحقيقاتٌ تُرهِبُ السلطانَ ولا تَرْهَبُهُ

تهافت سماسرة الأراضي والوطن

04‏/10‏/2012

أبو مازن وأحمد أبو العم وزمن الرق والاسترقاق


سعيد الغزالي *
أحال الرئيس محمود عباس مساء الأربعاء قضية التحرش الجنسي التي ارتكبها وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ إلى النيابة العامة، وطلب من أحمد أبو العم وزوجته المثول أمام النائب العام لتقديم شكوى ضد الوزير.
تمكن الرئيس بذلك من إيجاد مخرج له من هذه القضية التي تم تجاهلها من الصحافة المحلية، والرأي العام المحلي، متعاملا معها كقضية جنائية عادية، إذ ليس بمقدور القضاء ولا النيابة إثبات تهم التحرش الجنسي، لسببين، أولهما
: غياب الشهود، وثانيهما أن النيابة والشرطة لن تقوما بالتحقيق في القضية.
يقول المحامي فهمي شبانه: أغلق الرئيس بقراره ملف هذه القضية، إذ لا توجد أدلة قوية، ولا شهود يدلون بشهاداتهم تدين الوزير على جريمة التحرش الجنسي، والنيابة لن تقوم بجمع البينات، والتسجيلات المتوفرة لدى أبي العم غير قانونية. كان الأحرى بالرئيس أن يشكل لجنة خاصة، تقوم بالتحقيق في هذه الجريمة". يضيف شبانه: "القضاء والنيابة في بلادنا قاصران على القيام بالتحقيق".
وخرج أبو العم من لقائه بالرئيس في مقره برام الله يلهج بالحمد والشكر له، وقال: "بعد طول انتظار انا وزوجتي
تم بحمد لله مقابلة الاب القائد محمود عباس ابو مازن حفظة الله ورعاة في مكتبة
وقال انا لا يوجد عندي بنات ولكن كل بنات فلسطين هم بناتي
ولا اقبل الظلم على اي انسان وزوجتك هي ابنتي
وسأجعل القضاء الحكم الفاصل".
أضاف أبو العم ناقلا عن الرئيس قوله:"كلنا سواسية امام القانون ولا يوجد حصانة لأحد".
وزاد أبو العم في ثنائه وشكره بقوله: "شكرا سيدي الرئيس لأنك مسحت عن أعيننا دمعة المظلوم". أضاف أبو العم: "نحن الآن بانتظار الجلوس مع النائب العام لتقديم ملف الشكوى بحق هذا الوزير الظالم، وأنا كلي ثقة في السيد الرئيس وعدالة القانون".
وقال مرتاحا بعد طول مجاهدة: "نحن الآن بحماية الله والسيد الرئيس لحين تصدر كلمة الحق من القضاء".
أسدل الستار على هذه القضية. للأسف، لم ينل أبو العم إلا الكلام المعسول، وقدمت قضيته لنيابة "أحرار أثينا" و"براهمة" الهند القديمة.
نحن العبيد، ومنهم أبو العم وزوجته، طبقة الأرقام الكبيرة، نتحرك في مدننا وقرانا في الضفة الغربية وقطاع غزة وكأننا نهر تحتي جياش، تحت قواعد دولة إسرائيل، وتحت بساطير هذه الدولة، تحكمنا طبقة البراهمة وأحرار أثينا.
لم يكن أحمد أبو العم منهم. لو كان منهم، لشكل الرئيس لجنة تحقيق تعيد الحق لحر من أحرار أثينا. وقد يقول قائل: لو كان أبو العم الذي هب للدفاع عن عرضه يعيش في عصور الرق والاسترقاق، لأُعدم بالشنق أو الحرق. إذ لا يحق له أن يعترض على البرهمي وزير الشؤون المدنية، إن اشتهى زوجته ، فإن اعترض، كما فعل أبو العم، فيحق للبرهمي أن يأمر بقتله، وإن تلفظ أبو العم بقول بذيء، يحق للوزير أن يقطع لسانه. وإن تمادى بأن يكتب ما كتب من تعليقات احتقار تنال من سمعة الوزير على الفيسبوك، سيأمرالأخير بأن يعاقب أبو العم بوضع خنجر محمى بالنار في فمه.
كيف يجرؤ أبو العم أن يطالب بمحاكمة الوزير. أمعقول أن يطالب بذلك! ومن هو أبو العم، ليتحدى البرهمي الوزير! نحن نعيش في زمن الرق والاسترقاق. وهذه الحملة التي تشن ضد الشاب تثبت صحة هذا الزعم.
كان فلاسفة اليونان القدامى يجاهرون بتأييدهم للرق. اليوم لا يجاهر أبناء الطبقة الخانعة من المسئولين والمثقفين والصحافيين المخنثين بتأييدهم للرق والاسترقاق في الضفة الغربية، بل يؤيدونه سرا، وأحيانا يعلنون عن ذلك، حسب الظرف والموقف، وهم يتعففون عن تأييد شخص مثل أبي العم، ويقولون بأنهم يطلبون الدليل. والدليل موجود، في جرائم الوزير السابقة، ولا أحد يحقق في المسألة.
يرى أفلاطون – يا أعزائي- أن العبيد لايصلحون لأن يكونوا مواطنين. وكذلك لا يصلح أبو العم لأن يكون مواطنا متمتعا بكامل الحقوق، وأن يحصل على حقه، لا بأس إن فعل، وتقدم بشكوى، ولكن، ملفه سيدفن في الأدراج إلى يوم الساعة، والفرق بين الاستعباد العصري والرق القديم هو فرق شكلي، يتحدث العصريون عن الحرية والمواطنة ويعملون ضدهما، بينما كان المستعبٍدون القدامى يقهرون العبيد بالقول والفعل والقانون. النتيجة واحدة.
خرج أبو العم عن الطاعة العمياء لسيده الأثيني، أحد أحرار السلطة الفلسطينية، ووزيرا من وزرائها. وهذا اختلال في نواميس الكون لا يرضى به أفلاطون. وأما تلميذه أرسطو فهو يرى أن بعض الناس خُلِقُوا فقط ليكونوا عبيدًا لآخرين، ليوجهوهم كما يريدون، وبعضهم خُلِقُوا ليكونوا سادة، وهم الأحرار ذوو الفكرة والإرادة والسلطان.
أبو العم خُلق ليعمل كآلة في وزارة الشؤون المدنية. والوزير البرهمي، الحر الأثيني خُلق ليفكر ويلقي الأوامر، ولا بأس عليه ولا حرج، إن نظر نظرة سوء إلى زوجة العبد أبي العم. وهذا الاستعباد يجب أن يستمر حتى تقوم ساعة الدولة الفلسطينية، عندها يزول الرق والاسترقاق، ويصبح أبو العم حرا، وتستطيع أن تعمل زوجه في وزارة الشؤون المدنية دون خوف من جور برهمي مستبد أو سيد أثيني مهووس بالجنس.
أحمد أبو العم، حسب القانون الروماني هو أداة ناطقة، ولكنه حسب قوانين السلطة الفلسطينية المطبقة هو اداة صامتة، ليس إنسان بروح وإحساس، فإن خرج على صمته، فقد تعدى على الوطن والقيادة.
تمردت زوجة أبي العم على قانون الجواري في عصور الرق والاسترقاق.
كانت الجوارى في تلك العصور ملكًا خالصًا للسيد الذي يبتاعهن، وكان يُنتظر منهن أن يمهّدن له فراشه ويطبخن له طعامه، وكان المعروف أنه سيستولدهن عددًا كبيرًا من الأبناء. وكان العبد وكل ما ملكت يداه ملكًا لسيده : من حقه أن يبيعه أو يرهنه وفاء لدين، ومن حقه أن يقتله إذا ظن أن موته أعود عليه بالفائدة من حياته.وإذا أبق العبد فإن القانون لا يبيح لأحد أن يحميه وكانت تقدر جائزة لمن يقبض عليه. وكان من حق الدولة أن تجنّده كما تجنّد الفلاح الحرّ للخدمة العسكرية أو تسخّره للقيام ببعض الأعمال العامة كشق الطرق، وحفر القنوات. وكان أكثر العبيد يقنعون من حياتهم بكثرة الأبناء، حتى صاروا أكثر عددًا من الأحرار.
فلماذا الاندهاش، بما حدث لأبي العم وزوجته. فما زلنا نعيش في عصر الإماء والعبيد.
*سعيد الغزالي صحفي فلسطيني من القدس ينشر مقالاته وتحقيقاته في مدونة المحقق الفلسطيني 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق