تحقيقاتٌ تُرهِبُ السلطانَ ولا تَرْهَبُهُ

تهافت سماسرة الأراضي والوطن

26‏/03‏/2012

برنارد شو في ضيافة زعيم عربي



زعمتُ أن برنارد شو، الكاتب العالمي الساخر، كان يتمنى  في السنة الأخيرة من حياته، أن يزور بلدا عربيا ، ويحل ضيفا بقصر زعيم عربي، ليسأله لماذا سبق العالم العرب إلى الحضارة والتقدم العلمي والتكنولوجي،بعد أن كانوا وكانوا، وهم منذ قرون وإلى يومنا هذا لا يزالون في مكانهم على هامش التاريخ والأحداث، تتحكم الأمم الأخرى بمصيرهم، ومستقبلهم، وهم على ما هم عليه من نزاع وتخلف وضياع، وقد انسدت أمامهم السبل، ويغرقون في مشاكلهم ويدورون على أنفسهم، كما يدور البغل حول الرحى.  

وتحقق للكاتب الشهير ما تمنى في نفس السنة، بعد أن استضافه أحد الزعماء العرب، فأراد الزعيم أن يطلعه على إنجازات العرب في العصر الحديث، ويؤثر على وجهة نظره، ويثبت له أن العرب قد سبقوا عصرهم بعصور، فيجنده في خدمة القضايا العربية، دخل شو عليه في قصره، فرآه يمسك ساطورا يقطر دما، وقد فرغ لتوه من تقطيع أطراف أحد المواطنين.
ارتعب شو من هول ما رأى، لكنه تماسك، وسأل الزعيم: ما هو الجرم الذي ارتكبه هذا المواطن حتى يستحق هذه العقوبة الوحشية؟
قال الزعيم: لا ضرورة في بلادنا، أن يرتكب المواطن جريمة، حتى أفعل به ما فعلت، أنا القانون وأنا أفعل بالمواطن ما أشاء، وأعتمد في تطبيق القانون على قوة الأجهزة الأمنية والمخابرات والشرطة والجيش والشبيحة، وأجيز لهم ارتكاب أفعال القتل والسرقة ، النصب والنهب، الهدم والحرق، النفي والسجن، القصف والشبح، الشنق، انتهاك العرض واغتصاب الأرض، قهر الشعب والتجهيل والتجويع، تضليل الناس وخيانة الوطن... القائمة طويلة طويلة. وكل شيء جائز ومباح فعله، طالما أنني أسمح به. وهذا المواطن ارتكب جريمة أفظع مما عددت.
-  يا للهول، ارتكب أفظع مما عددت، فما هي جريمته؟
- جريمته أنه لم يكن بحاجة إلى أطرافه، فبترتهما للتبرع بهم لإحدى المستشفيات، لتعزيز التكافل في المجتمع، ومن ليس بحاجة إلى أطرافه، يتبرع لإخوانه المواطنين المعاقين.  لم يتبرع هذا المواطن بأطرافه طوعا وأجبرني أن أقوم ببترها، كرها، وهذا بحد ذاته جرم ثان، لأنه أرغمني على فعل شيء لم أكن أنتوي القيام به ، لكني اكتفيت بمعاقبته على الجرم الأول.
- كم كنت رؤوفا  به، أيها الزعيم! 
- كان يعرف أن كلبي جائع، فلم يطعمه، فأخذته أخذ مقتدر، وأطعمت كلبي من لحم أطرافه
ارتجف برنارد شو من الخوف، وفقد سرعة بديهته الساخرة وأخذ يتمتم: لم يتعلم الرأفة بالكلاب، فعله فظيع. 
وأفرط الزعيم في غيه، معددا جرائم المواطن، وقال:كان يفكر بالزواج، ولم يراع الظروف الاقتصادية السيئة في البلد، خطب فتاة، وعلقها سنوات وسنوات، لأنه لم يقدر أن يفتح بيتا ويعيل أسرة، فأنقذت الفتاة منه. كان يتمنى بسره أن أزول عن الوجود أو يصيبني داء الفالج فأموت، أو يهدم قصري على رأسي بزلزال".
فوافقه برنارد شو وقال:لا شك بأن هذا المواطن يهدد أمن سيادتكم
وانتشى الزعيم وأضاف إلى كلامه المرعب متهما المواطن:أصر على المشي على قائمتيه، وأنت تعرف أنه في عصر الحداثة، توقف المواطنون عن ممارسة عادة المشي المتعبة، الحضارة تغنيهم، الانترنيت، الاتصالات، المواصلات، وصاروا يزحفون على بطونهم ويحلمون أنهم يطيرون، ويستبدلون عصري المظلم بعصور أجدادهم الذهبية. 
أجابه برنارد وأسنانه تصطك وساقاه لا تحملانه وجسمه يرتجف:لقد جعلتهم يعيدون أمجاد أجدادهم، فيطيرون مثل عباس بن فرناس، ويكون مصيرهم مثل مصيره.
تناول الزعيم "سيغارا" من علبة فاخرة وأشعله بقداحته الذهبية وأخذ ينفث الدخان ويقول:أعطيته فرصة للتدرب على الأعمال المبدعة، دون أن يستخدم أطرافه، يأكل، يشرب، يستحم، يكتب، يذهب إلى السوق، يسبح، يشارك في المباريات، يتسلق الجبال، يشترك في الماراتونات الدولية، يفعل كل هذا، فيضاف اسمه إلى موسوعة جينيس..
- أنت زعيم متسامح، تحب الحيوانات، مصلح ، تقدمي، مبدع، ولا يوجد زعيم مثلك في التاريخ. 
- لم يتعاطف مع إخوانه في غزة الذين بترت أطرافهم بقصف طائرات الصهيوني
- ماتت أحاسيسه الإنسانية وتبلدت مشاعره الوطنية
- خشيت أن تجره قدماه ويداه إلى ارتكاب المعاصي
- أنت تعرف حدود الله ونواهيه
- أرهقه المشي في الأرض الوعرة، فالطرقات لدينا ليست معبدة..
-  بارك الله فيك يا صاحب القلب الطيب.  أخشى على نفسي أن تغمرني نعمك، ويشملني عطفك، فتقطع أطرافي، فاسمح لي بمغادرة هذا القصر فورا، سأعود إلى بلادي في الحال .. 
سحب الزعيم ساطوره، وهجم على برنارد شو...فأخذ يصيح.. 
فزعت زوجته من صياحه، وأيقظته من نومه. حرك شو ذراعيه وقدميه، وقفز من السرير، وأخذ يرقص، فرحا، وقال قولته الشهيرة:
الآن عرفت لماذا سبق العرب عصرهم بعصور؟ 

هناك تعليق واحد: